للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكرنا لك كيف زعم أن أبا هريرة كان يَسْتَحِلُّ الكذب على الرسول بأنه ما دام لا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً فلا بأس، ثم استشهد بأحاديث رويت عنه، وقد ثبت أنها كلها موضوعة عليه كما بَيَّنَ ذلك أئمة الحديث ..

وهكذا يفوق التلميذ أستاذه .. لكن لا في الذكاء وعمق البحث والأدب، بل في شيء آخر غير هذا ..

سادساً - أنه لم يتحل بالأدب الكريم في بحثه، فكانت له الكلمات النابية التي مكانها مجالس السوقة والرعاع، لا الكتب والمؤلفات.

إنه قد ذهب في أول بحثه إلى أن الكذب هو عدم مطابقة الخبر للواقع سواء كان عمداً أو خطأً، ثم قال: «فلعنة الله على الكَاذِبِينَ متعمِّدين أو غير متعمِّدين» هذا مع العلم بأن كبار الصحابة، وكبار المُحَدِّثِينَ، وكبار الفقهاء، وكبار العلماء، قد وقع منهم الخطأ وَالوَهْمُ إما في الرواية وإما في الفتوى وإما في رواية التاريخ، فهؤلاء جميعاً في أدب «أَبِي رَيَّةَ» قد نالتهم لعنة الله! .. ومن عدالة الله أنا أمسكنا بأَبِي رَيَّةَ مُتَلَبِّسًا بجريمة الكذب العمد كما رأيت.

ثم انظر إلى الألفاظ البذيئة التي قالها عن أبي هريرة، ثم عن معاوية، ثم عن الذين سيخالفونه في نتائج «بحثه العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله» كيف كال لهم السباب المقذع ووصفهم بِأَحَطِّ الأوصاف والنعوت.

لقد كنت أقرأ هذا وأنا أعجب كيف يَتَفَوَّهُ إنسان يحترم نفسه بمثل هذه الكلمات، حتى حَدَّثَنِي عنه من يعرفه شخصياً ما أزال عجبي «وَكُلُّ إِنَاءٍ بِالذِي فِيهِ يَنْضَحُ».

سابعاً - إنه لم يتورع خلال بحثه - ليثبت عبقريته وأنه أتى بما لم يأته الأوائل، وأنه اكتشف حقيقة أبي هريرة التي خفيت على ثمانمائة من حَمَلَةِ العِلْمِ من الصحابة والتَّابِعِينَ - من أن يَتَّهِمَ الصحابة - وفيهم عمر- بالغفلة والسذاجة، حيث سمحوا لِمُسْلِمَةِ أَهْلِ الكِتَابِ الذين أسلموا لِيَدُسُّوا على الإسلام، أَنْ يَكْذِبُوا على الرسول، ثم نقلوا عنهم هذا الكذب، من غير أن يُؤْتُوا ذَرَّةً من الفطنة التي أوتيها أَبُو رَيَّةَ فيعلموا أن هؤلاء مَدْسُوسُونَ دَسَّاسُونَ، بَلْ خُدِعُوا بِهِمْ وَنَقَلُوا عَنْهُمْ