للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من القوة نظراً لاشتهاره في أيدي العلماء، وعمل الفقهاء به ما يلحقه بالمتواتر، وكل منهما وَحْيٌ غير مَتْلُوٍّ، فجاز نسخ الكتاب بهما.

وَمَثَّلُوا لذلك بنسخ الكتاب بخبر المسح على الخفين (١) وهو شهور، وبنسخ وجوب الوصية الوارد في الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} (٢) بحديث «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». وهو حديث مشهور معمول به لَدى جماهير العلماء حتى ادعى الشافعي في " الأُمِّ " أنه متواتر، فيما نقله عنه ابن حجر في " الفتح ".

(ب) وقال الجمهور: لا يجوز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ: سواء كانت متواترة أو مشهورة أو آحاداً، وقد استدل الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - لقول الجمهور بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (٣) وَالسُنَّةُ ليست مثل القرآن ولا خيراً منه، وبقولَه: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (٤) فدل ذلك على أنه متبع لكل مَا يوحى إليه، ولم يكن مُبَدِّلاً لشيء منه، والنسخ تبديل.

وقال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٥) فاخبر أنه مُبَيِّنٌ لما هو المنزل حتى يعمل الناس بالمنزل بعد ما تبين لهم ببيانه، وفي تجويز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ رفع هذا الحكم لأن العمل حينئذ يكون بالناسخ، فإذا كان الناسخ مِنَ السُنَّةِ لا يكون العمل به عملاً بِالمُنَزَّلِ.

وأيضاًً فمنع نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ أقرب إلى صيانة رسول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن طعن الطاعنين فيه، وبالاتفاق يجب المصير في باب بيان أحكام الشرع


(١) ذكره السرخسي في " أصوله ": ٢/ ٦٧ نقلاً عن الكرخي عن أبي يوسف.
(٢) [سورة البقرة، الآية: ١٨٠].
(٣) [سورة البقرة، الآية: ١٠٦].
(٤) [سورة يونس، الآية: ١٥].
(٥) [سورة النحل، الآية: ٤٤].