للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى طريق يكون أبعد عن الطعن فيه، وذلك أنه إذا جاز منه أن يقول ما هو مخالف لِلْمُنَزَّلِ في الظاهر على وجه النسخ له، فالطاعن يقول: هو أول قائل وأول عامل بخلاف ما يزعم أنه أنزل إليه، فكيف يعتمد قوله فيه؟ وإذا ظهر منه قول ثم قرأ ما هو مخالف لما ظهر منه من القول فالطاعن يقول: قد كذبه ربه فيما قال فكيف نصدقه؟ وإلى هذا أشار الله بقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (١) ثم نفى عنه هذا الطعن بقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (٢) ففي هذا بيان أنه ليس في نسخ الكتاب بالكتاب تعريضه للطعن، وفي نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ تعريضه للطعن من الوجه الذي قاله الطاعنون، فيجب سَدُّ هذا الباب لعلمنا أنه مصون عما يوهم الطعن فيه» (٣).

ولا شك في أن رأْيَ الجمهور أقرب إلى الحق، ويظهر أنا لا نجد بالتأكيد سُنّةً نسخت قُرْآناً، وما ذكره الحَنَفِيَّةُ من المسح على الخفين والوصية للوارث ليسا من هذا القبيل، فالنزاع - في رأيي - من حيث الجواز أو عدمه، لا من حيث الوقوع، فإن ما ادعاه الحَنَفِيَّةُ من وقوع ذلك، لا يسلم لهم أنه كان من طريق السُنّةِ، وبالتأمل في الأدلة التي أوردوها لذلك، يبدو الناظر مجال للأخذ والرد الكثيرين.

وبعد: فبهذا يتم - بحمد الله - ما أردناه من البحث حول السُنّةِ وجمعها وجهود العلماء لتنقيتها من الدخيل والطارئ، وأنزلنا ما لحق بها من شبه في القديم والحديث، وَبَيَنَّا مرتبتها في التشريع وعلاقتها بالقرآن الكريم.

ونحن نختم ذلك بخاتمة موجزة عن موقف الأئمة الأربعة مِنَ السُنَّةِ، وبيان مكانتهم فيها، مع ذكر تراجم موجزة لأصحاب الكتب الستة، وفذلكة صغيرة عن كل كتاب.


(١) [سورة النحل، الآية: ١٠١].
(٢) [سورة النحل، الآية: ١٠٢].
(٣) " أصول " السرخسي: ٢/ ٦٧، ٦٨ وانظر " الرسالة " للشافعي: ١٠٦ - ١٠٨.