للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ مَالِكٌ: «إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُفْتُونَ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ».

وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ شِهَابٍ: «أَكَانَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَدَعْهُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ أَتَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِفَرَجٍ» (١).

وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ فِي العِرَاقِ: «وَاللَّهِ لَقَدْ بَغَّضَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ إِلَيَّ الْمَسْجِدَ حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» قُلْتُ: " مَنْ هُمْ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ " قَالَ: «الأَرَأَيْتُونَ» (*) (كَذَا بِالأَصْلِ وَلَعَلَّ صَوَابَهَا الأَرَأَيْتِيُّونَ)، قَالَ: «وَمِنْهُمُ الْحَكَمُ (**) وَحَمَّادٌ وَأَصْحَابُهُمْ». اهـ. وحماد شيخ أبي حنيفة.

وأخرج عن الشعبي أيضاًً قوله: «مَا [كَلِمَةٌ] أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ: " أَرَأَيْتَ "» (٢). وبهذا التوسع الذي سار عليه أبو حنيفة في التفريع والاستنباط حتى بلغت المسائل التي عرفت في فقهه حداً كبيراً جِدًّا أوصلها صاحب " العناية في شرح الهداية " إلى ألف ألف ومائتي ألف وسبعين ألفاً ونيفاً (٣)، وهو عدد ضخم، ولو قيل: إنه على سبيل المبالغة فالقدر الثابت على أقل تقدير هو أكثر مِمَّا أثر عن أي إمام آخر. وقد عَبَّرَ بعض الناقمين على أبي حنيفة عن سخطه لكثرة تفريعه بقوله: «هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ» (٤) ( ... ).

٢ - كان أبو حنيفة يَتَشَدَّدُ في قبول الأخبار، ويشترط لذلك شروطاً صعبة، نظراً لانتشار الوضع في الحديث، وكان العراق في عصره مصدر الحركات الفكرية والثورية في العالم الإسلامي، ومن ثم كان مصدراً خصباً للوضع، ومرتعاً سهلاً للوَضَّاعِينَ، مِمَّا دعا أبا حنيفة إلى التثبت والاحتياط، فلم يقبل إلا الأحاديث المشهورة الفاشية في أيدي الثقات، وهو في ذلك يذهب إلى أوسع مِمَّا ذهب


(١) " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٤٣.
(٢) المصدر السابق: ٢/ ١٤٦.
(٣) " النكت الطريفة " للكوثري: ص ٥.
(٤) " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٥٤.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) [ورد كذلك (الآرَائِيُّونَ) [انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري: ٢/ ١٠٧٤ حديث رقم ٢٠٨٩.الطبعة الأولى: ١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م. نشر دار ابن الجوزي. المملكة العربية السعودية].
(**) [هو الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، - بالمثناة ثم بالموحدة مصغرًا - أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة، مات سَنَةَ ١١٣ أو بعدها، وله نيف وستون /ع. " تقريب التهذيب " لابن حجر، تحقيق الشيخ محمد عوامة: ص ١٧٥ ترجمة رقم ١٤٥٣. طبعة دار الرشيد سوريا - حلب، طبعة ثالثة منقحة: ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م، و" تهذيب التهذيب ": ١/ ٤٦٦ بعناية إبراهيم الزيبق وعادل مرشد، مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م، نشر مؤسسة الرسالة].
( ... ) [هكذا وردت في " جامع بيان العلم وفضله ": «هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ»، ٢/ ١٠٧٣ حديث ٢٠٨٧، والناقم هنا رَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ]، بينما وردت في المطبوع في طبعتي المكتب الإسلامي وطبعة دار الوراق: «هُوَ أَجْهَلُ النَّاسِ بِمَا كَانَ وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا لَمْ يَكُنْ».