للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَخْرُجَ إِلَيَّ فَيُحَدِّثَنِي» (١).

وهكذا لقي في سبيل الحديث من العناء ما لقي إلى أن استوعب ما عند من لقيهم من الصحابة من حديث، فأخذ يبثه غير متزمت ولا مُقلٍ، ويظهر أنه أَقَلَّ من التحديث بعد ذلك حين بدأ الوضع في الحديث، فقد أخرج مسلم في " مقدمة صحيحه " أن بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ جَاءَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا»، فَعَادَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَأَنْكَرْتَ هَذَا؟ أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَعَرَفْتَ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، تَرَكْنَا الحَدِيثَ عَنْهُ».

ومهما يكن من إكثار بعض الصحابة التحديث عن رسول الله، فقد كان ذلك قليلا في عصر الشيخين أبي بكر وعمر، إذ كانت خِطَّتُهُمَا حَمْلَ المُسْلِمِينَ على التثبت في الحديث من جهة، وَحَمْلَ المُسْلِمِينَ على العناية بالقرآن أَوَّلاًً من جهة أخرى. قِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَكُنْتَ تُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ أُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ مِثْلَ مَا أُحَدِّثُكُمْ لَضَرَبَنِي بِالدِّرَّةِ» (٢).

وهنا لا بد من التعرض لبحثين يتعلقان بموقف عمر من الحديث وموقف غيره كذلك.

الأول: هل حبس عمر أحداً من الصحابة لإكثاره من الحديث؟

الثاني: هل كان الصحابة يشترطون شروطاً لقبول خبر الصحابي؟

هَلْ حَبَسَ عُمَرُ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ لإِكْثَارِهِ الحَدِيثَ؟:

المشهور المتردد على بعض الأَلْسِنَةِ أن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حبس ثلاثة من كبار الصحابة لإكثارهم الحديث، وَهُمْ ابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو ذر، وقد حَاوَلْتُ أن أعثر على هذه الرواية في كتاب معتبر فلم أجدها، ودلائل الوضع عليها ظاهرة، فابن مسعود كان من كبار الصحابة وأقدمهم إسلاماً، وله مقام كبير في


(١) " جامع بيان العلم ": ١/ ٩٤.
(٢) المصدر السابق: ٢/ ١٢٠.