للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويذكرون لهم من الطرائف في ذلك ما صح بعضها عن عوام أهل الحديث لا عن رؤسائهم (١)، بينما يَتَّهِمُ المُحَدِّثُونَ أئمة الاعتزال بالفسق والفجور والابتداع في الدين والقول بآراء ما نَزَّلَ اللهُ بها من سلطان، فقد نقل ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث "، وكذلك البغدادي في " الفرق بين الفرق " عن النظام أنه كان يقول بأن الطلاق لا يقع بشيء من ألفاظ الكناية، وأن من ظَاهَرَ امرأته بذكر البطن أو الفرج لم يكن مُظَاهِرًا، وأن النوم لا ينقض الطهارة إذا لم يكن معه حدث، وأن من ترك صلاة مفروضة عمداً لم يصح قضاؤه لها، ولم يجب عليه قضاؤها، كما ذكر ابن قتيبة عنه أنه كان سِكِّيرًا مَاجِنًا يغدو على سكر، ويروح على سكر وأنه قال عن الخمر:

مَا زِلْتُ آخُذُ رُوحُ الزِقِّ فِي لُطْفٍ ... وَأْسْتَبِيحُ دَمًا مِنْ غَيْرِ مَذْبُوحٍ

حَتَّى انْتَشَيْتُ وَلِي رُوحَانِ فِي بَدَنٍ ... وَالزِقُّ مُطَّرَحٌ جِسْمٌ بِلاَ رُوحٍ (٢)

ويذكر لنا عن ثمامة بن أشرس الذي قاد حركة القول بخلق القرآن في عهد المأمون، أنه رأى الناس يوم الجمعة يتعادون إلى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة، فقال لرفيق له: «انْظُرْ إِلَى هَؤُلاَءِ الحَمِيرِ وَالبَقَرِ ... » ثم قال: «مَاذَا صَنَعَ ذَاكَ العَرَبِيُّ بِالنَّاسِ؟» (٣) يَعْنِي رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ويظهر أن ما ذكره ابن قتيبة والبغدادي عن رؤساء الاعتزال - وإن كان كلام خصم في خصومه - صحيح بالجملة من حيث اتصاف أولئك الرؤساء بِقِلَّةِ التَدَيُّنِ وعدم التورع عن ارتكاب بعض المُحَرَّمَاتِ، فقد روى الجاحظ وهو من أئمة الاعتزال - في " كتاب المضاحك ": إِنَّ المَأْمُونَ رَكِبَ يَوْمًا فَرَأَىَ ثُمَامَةَ سَكْرَانَ قَدْ وَقَعَ فِي الطِّينِ فَقَالَ لَهُ: «ثُمَامَةُ؟» قَالَ: «أَيْ واللهِ». قَالَ: «أَلاَ تَسْتَحْيِ؟» قَالَ: «لاَ وَاللهِ». قَالَ: «عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ. قَالَ: «تَتْرَى ثُمَّ


(١) سترى نموذجاً من هذا عند الكلام عن أبي حنيفة.
(٢) " تأويل مختلف الحديث ": ص ٢١.
(٣) المصدر السابق: ص ٦٠.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
[قارن بما ورد في صفحة ٢٠ من كتاب " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "].

<<  <   >  >>