للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في وضع الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أم هو موقف العالم الناصح ينصح لدين اللهِ والمُسْلِمِينَ وَيَذُبُّ عن سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكاذيب الوَضَّاعِينَ؟ ويدفع عن خليفة المُسْلِمِينَ وقوعه تحت تأثير الرُّوَاةِ الكَذَّابِينَ، فلا يستمر في ظلم ولا يتمادى في باطل!

وانظر بعد ذلك فيما رواه ابن عساكر بسنده إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - أن هشام بن عبد الملك سأل سليمان بن يسار عن تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (١) فقال هشام: «مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ فِيهِ؟» قال سليمان: «هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَِيٍّ بْنِ سَلُولٍ». فقال هشام: «كَذَبْتَ: إِنَّمَا هُوَ عَلِيٌّ بْنُ طَالِبٍ» - ويظهر أن هشاماً لم يكن جَادًّا فيما يقول، ولكنه يريد أن يَخْتَبِرَ شِدَّتَهُمْ فِي الحَقِّ - فقال سليمان بن يسار: «أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ»، ثم وصل ابن شهاب، فقال له هشام: «مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟»، فقال الزُّهْرِيُّ: «هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، فقال له هشام: «كَذَبْتَ إِنَّمَا هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ». قال الزُّهْرِيُ وقد امتلأ غضباً: «أَنَا أَكْذِبُ؟ لاَ أَبًا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ ... حَدَّثَنِي فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ أَنَّ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، قال الشافعي: فما زالوا يغرون به هشاماً حتى قال له: «ارْحَلْ فَوَاللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْمِلَ عَنْ مِثْلِكَ»، قال ابن شهاب: «وَلِمَ ذَاكَ؟ أَنَا اغْتَصَبْتُكَ عَلَى نَفْسِي أَوْ أَنْتَ اغْتَصَبْتَنِي عَلَى نفسي؟ فَخَلِّ عَنِّي». قَالَ لَهُ: «لاَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَدَنْتَ أَلْفَيْ أَلْفٍ»، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «قَدْ عَلِمتَ وَأَبُوكَ قَبْلَكَ أَنِّي مَا اسْتَدَنْتُ هَذَا المَالَ عَلَيْكَ وَلاَ عَلَى أَبِيكَ» ثُمَّ خَرَجَ مُغْضَبًا. فقال هشام: «إِنَّا نُهِيِّجَ الشَّيْخَ»، ثُمَّ أَمَرَ فَقَضَى عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفَ أَلْفٍ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَذَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ».

ذلك ما أثبته ابن عساكر في " تاريخه " منذ ثمانية قرون نقلاً عن الشافعي وهو إمام من أئمة الصدق والحق من قبل أن يظهر إلى عالم الوجود رجل يرمي الزُّهْرِي بالكذب وَيَتَّهِمَهُ في دينه لاتصاله بالخلفاء!. ألاَ ترى في هذه


(١) [سورة النور، الآية: ١١].

<<  <   >  >>