للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتكون بمثابة الكعبة يحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، حادث من أكبر الحوادث وأهمها في تاريخ الإسلام وَالمُسْلِمِينَ فلا يعقل أن يمر عليه هؤلاء المُؤَرِّخُونَ مَرَّ الكرام، وقد جرت عاداتهم أَنْ يُدَوِّنُوا ما هو أقل من ذلك خطراً أو أهمية، كتدوينهم وفاة العلماء وتولي القضاء وغير ذلك، فلو كان عبد الملك هو الذي بناها لذكروها، ولكنا نراهم ذكروا بناءها في تاريخ الوليد، وهؤلاء مُؤَرِّخُونَ أثبات في كتابة التاريخ، نعم جاء في كتاب " [حياة] الحيوان " للدميري نقلاً عن ابن خلكان: أن عبد الملك هو الذي بَنَى القُبَّة وعبارته هكذا: «بَنَاهَا عَبْدُ المَلِكِ وَكَانَ النَّاسُ يَقِفُونَ عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ» ورغماً عما في نسبة بنائها لعبد الملك من ضعف، ومن مخالفته لما ذكره أئمة التاريخ، فإن هذا النص لا غبار عليه، وليس فيه ما يدل على أنه بناها ليفعل الناس ذلك، بل ظاهره أنهم كانوا يفعلون من تلقاء أنفسهم، وليس فيه ذكر الحج عند القُبَّةِ بَدَلاً من الكعبة، بل فيه الوقوف عندها يوم عرفة، وهذه العادة كانت شائعة في كثير من أمصار الإسلام نص الفقهاء على كراهتها، وفرق كبير بين الحج إليها بَدَلاً من الكعبة، وبين الوقوف عندها تَشَبُّهاً بوقوف الحج في عرفة، ليشارك من لم يستطع الحج الحُجَّاجَ في شيء من الأجر والثواب، ولم يكن ذلك مقصوراً على قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، بل كان كل مصر إسلامي يخرج أهله يوم عرفة إلى ظاهر البلد فيقفون كما يقف الحُجَّاجُ.

ثَانِياًً - إن نص الحادثة كما ساقها جولدتسيهر بَيِّنُ البطلان، لأن بناء شيء ليحج الناس إليه كُفْرٌ صَرِيحٌ، فكيف يقدم عبد الملك عليه، وهو الذي كان يلقب بـ «حَمَامَةِ المَسْجِدِ» لكثرة عبادته؟ على أن خصومه طعنوا فيه بأشياء كثيرة ولم نجدهم اتهموه بالكفر» وَلاَ شَنَّعُوا عليه ببناء القبة، ولو كان الأمر ثابتاً لجعلوها في أول مَا يُشَهِّرُونَهُ بِهِ.

ثَالِثاً - أن الزُّهْرِي وُلِدَ - كما قدمنا - سَنَةَ إحدى وخمسين أو ثمان، ومقتل عبد الله بن الزبير كان سَنَةَ ثلاث وسبعين، فيكون عُمْرُ الزُّهْرِي حينذاك على الرواية الأولي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ عَامًا، وعلى الثانية خَمْسَةَ عَشَرَ،

<<  <   >  >>