للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك فلم يطعن فيهم أحد، ولم ينزلهم عن مرتبة العدالة لأنهم خالطوا السلاطين أو جالسوهم.

حَجُّهُ مَعَ الحَجَّاِجِ:

وهذا الذي زعمه «جولدتسيهر» ليزيد في التنفير من الزُّهْرِي والتدليل على قلة دينه هو زعم باطل، فَالزُّهْرِيُّ لم يكن مع الحَجَّاِج في حاشيته حين حج، وإنما كان مع عبد الله بن عمر، حين اجتمع مع الحَجَّاِج، وإليك النص على حقيقته كما ورد في " تهذيب التهذيب " لابن حجر: «أَخْرَجَ عَبْدُ الرَزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ المَلِكِ إِلَى الحَجَّاِجِ أَنْ اقْتَدِ بابْنِ عُمَر فِي المَنَاسِكِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الحَجَّاِجُ يَوْمَ عَرَفَةَ: " إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَرُوحَ فآذِنَّا "، فَرَاحَ هُوَ وَسَالِمٌ وَأَنَا مَعَهُمَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " وَكُنْتُ صَائِمًا فَلَقِيتُ مِنَ الحَرِّ شِدَّةً "» فالزُّهْرِيُّ، إنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمعا بالحَجَّاِج في الحج لا في معية الحَجَّاِج.

تَرْبِيَتُهُ لأَوْلاَدِ هِشَامٍ:

وقد زعم «جولدتسيهر» أنه مِمَّا يطعن به على الزُّهْرِيِّ أن هشاماً جعله مُرَبِّياً لِوَلِيِّ عَهْدِهِ، وهذا عدا ما فيه من الخطأ التاريخي، فإن وَلِيَّ عهد هشام هو ابن أخيه الوليد بن يزيد، تنفيذاً لوصية أخيه يزيد بن عبد الملك، وقد كان الوليد هذا مَاجِنًا مُسْتَهْتِرًا بينه وبين الزُّهْرِيِّ من العداوة والجفاء ما بين الأخيار والأشرار، وانما كان الزُّهْرِيُّ مُرَبِّياً لأَوْلاَدِ هِشَامٍ حين حَجَّ معه سَنَةَ ست ومائة وعدا هذا الخطأ التاريخي، فإنا لا ندري أي ريب يلحق بِالزُّهْرِيِّ إذا رَبَّى أَوْلاَدَ هِشَامٍ؟ أليس ذلك - خيراً من أن يتولى تهذيبهم الخلعاء والماجنون وأعداء الله وأعداء رسوله؟ على أن التاريخ يُحَدِّثُنَا أن أولاد هشام كانت لهم غزوات موفقة في بلاد الروم، ولهم أَيَادٍ بيضاء في نشر الإسلام في أصقاع كثيرة، أفليس من الإنصاف أن نُرْجِع شيئاً من الفضل في ذلك إلى شيخهم الزُّهْرِي، لا سيما وَالمُؤَرِّخُونَ يذكرون عنه أنه كان «جُنْدِيًّا جَلِيلاً» وأنه قدم الشام مَرَّةً يريد الغزو، وأنه كان يلبس زِيَّ الجنود.

<<  <   >  >>