للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَالحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوا مِنَ الحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِرًا، إِلاَّ إِذَا كَانَ لاَ يُمَكِّنُهُ مِنَ القَضَاءِ بِحَقٍّ» (١) اهـ.

وقال ابن العربي من علماء المالكية عند شرحه لكتاب القضاء في " الترمذي ": «وَالوِلاَيَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عَلَى الأَعْيَانِ وَإِنِّمَا هُوَ عَلَى الكِفَايَةِ، فَلَوْ دَعَا الإِمَامُ إِلَى العَوْنِ جَمِيع النَّاسِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا لأَثِمُوا، وَإِذَا قَبِلَ بَعْضُهُمْ أُجِرُوا وَسَقَطَ الفَرْضُ عَنْ البَاقِينَ» اهـ.

وقال ابن فَرْحُون في " تبصرة الحكام ": «وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ الأَحَادِيثِ التِي فِيهَا تَخْوِيْفٌ وَوَعَيدٌ فَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ قُضَاةِ الجَوْرِ الْعُلَمَاء أَوْ الجُهَّالِ الذِينَ يُدْخِلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا المَنْصِبِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَفِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ جَاءَ الوَعِيدُ» (٢).

وبهذا يتبين لنا أن القضاء ليس كما أراد أن يصوره لنا جولدتسيهر مُسْقِطًا للعدالة، بل هو شرف عظيم، ولو لم يكن فيه إلا النيابة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحُكْمِ بين الناس بما أنزل اللهُ لكفاه شرفاً وفضلاً. نَعَمْ، فَرَّ كَثِيرُونَ من العلماء من القضاء، وَتَحَمَّلَ بعضهم في سبيل ذلك بعض الأذى ولكنهم لم يفعلوا هذا لأنه مسقط للعدالة وداعية إلي الجرح، بل فعلوه بداعي الورع والزهد وتحرزهم من أن يلقوا الله وعليهم تبعات من أمور الناس، قال ابن العربي تعليلاً لامتناع بعض الصحابة عن تولي القضاء: «إِنَّ المَرْءَ فِيمَا يَعْمَلُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجَلٍ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي شُرُوطِهَا، وَعَلَىَ تَقِيَّةٍ مِنْ عَدَمِ القَبُولِ لَهَا مِمَّا دَخَلَ فِيهَا بِمَا لاَ يُحْصِيهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ مِنَ الطَّاعَةِ يَخْتَصُّ بِهِ لاَ يَتَعَدَّاهُ، فَكَيْفَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ العِبَادِ التِي نِيْطَتْ بِهِ وَأَلْزَمَتْ طَوْقَ عُنُقِهِ، فَالوَجَلُ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ وَالتَّقِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تُتَّخَذَ أَعْظَمَ».

وبعد فهذا بحث مستفيض حول الإمام الزُّهْرِي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وما


(١) " فتح القدير ": ٦/ ٣٦٤.
(٢) ١/ ٩ - ١٠ على هامش " فتح العلي المالك ".

<<  <   >  >>