للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أزالها العباسيون بعد ذلك، كما لم يقتصر الأمر على نشر أحاديث ذَاتَ مُيُولٍ، بل تعداه إلى اضطهاد أحاديث لا تمثل وجهات النظر الرسمية والعمل على إخفائها وَتَوْهِينِهَا، فَمِمَّا لا شك فيه أنه كانت أحاديث في مصلحة الأُمَوِيِّينَ اختفت عند مجيء العباسيين».

إن هذا الرجل يتكلم بعقلية غريبة عنا - نَحْنُ المُسْلِمِينَ - بل بعقلية غريبة عن المحيط العلمي وذلك أن الناس ما زالوا منذ قديم الزمان حتى اليوم، يرون من بعض الملوك الحاكمين إجراءات تتعلق بالمحافظة على حياتهم أحياناً، أو تتعلق بزيادة مظاهر العظمة والنفوذ، أو يقومون بإصلاحات تتعلق ببلادهم وأماكن العبادة فيها، وقد يكون لهؤلاء الملوك مخالفون كما يكون لهم مؤيدون، ومع ذلك فلا يخطر في بال أحد أن مثل هذه المظاهر تدل على تلاعب بالدين، أو استخدام للعلماء في سبيل هذا التلاعب بالدين، يقع هذا بين سمعنا وبصرنا، ووقع لمن قبلنا وما زال الخلفاء والملوك منذ عصر الصحابة حتى اليوم يفعلون مثل هذا، فها هو أبو بكر يجمع ألقرآن في مصحف، وعمر يجمع الناس على التراويح وعثمان يُحَدِّث الأذان الأول يوم الجمعة خارج المسجد وعمر بن عبد العزيز يزيد في مسجد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وها هُمْ الملوك والرؤساء يُجَدِّدُونَ المساجد ويزيدون فيها وينقصون، ويتخذون من الحيطة لأنفسهم عند الذهاب إلى الصلاة ما يدفع عنهم خطراً متوهماً أو متوقعاً، فلماذا لا يعتبر عمل هؤلاء تَزَيُّداً في الدين يدل على انحراف عنه؟ ونعتبر مثل زيادة معاوية في درجات المنبر، واتخاذه المقصورة دليلاً على تغيير الحُكَّامِ الأُمَوِيِّينَ للحياة الدينية؟ إن المنبر غُيِّرَ على عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته، فبعد أن كان رسول الله يقف بجانب جذع النخل، اتَّخَذَ مِنْبَرًا مِنْ ثَلاَثِ دَرَجَاتٍ، حين تزايد الناس في المسجد، واحتاج الأمر إلى مكان عال ليسمع البعيد كما يسمع القريب، فما الذي يمنع من زيادة الدرجات على هذا إذا اتسع المسجد أكثر من ذلك؟ وزاد الناس فيه عما كانوا عليه في حياة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ لا شيء يمنع من هذا لا ديناً ولا شرعاً

<<  <   >  >>