للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنالك روايتان تذكران للحديث سبباً غير ما ذكرته الروايات السابقة:

(الأولى) ما أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار " عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى قَوْمٍ فِي جَانِبِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَحْكُمَ بِرَأْيِي فِيكُمْ فِي كَذَا، وَفِي كَذَا وَقَدْ كَانَ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَذَهَبَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَبَعَثَ الْقَوْمُ إلَى النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ: «كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ» ثُمَّ أَرْسَلَ رَجُلاً فَقَالَ: «إنْ أَنْتَ وَجَدْتَهُ حَيًّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَمَا أُرَاكَ تَجِدُهُ حَيًّا، وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَحَرِّقْهُ» [فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ] فَوَجَدَهُ قَدْ لُدِغَ فَمَاتَ فَحَرَّقَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ... إلخ» (١).

(الثانية) ما أخرج الطبراني في " الأوسط " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ، أَنَّ رَجُلاً لَبِسَ حُلَّةً مِثْلَ حُلَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَيَّ أَهْلِ بَيْتٍ شِئْتُ اسْتَطْلَعْتُ، [فَقَالُوا: عَهْدُنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَوَاحِشِ قَالَ:] فَأَعَدُّوا لَهُ بَيْتًا، وَأَرْسَلُوا رَسُولاً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «انْطَلِقَا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ حَيًّا فَاقْتُلاَهُ، ثُمَّ حَرِّقَاهُ بِالنَّارِ، وَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ قَدْ كُفِيتُمَاهُ فَحَرِّقَاهُ، وَلاَ أَرَاكُمَا إِلاَّ وَقَدْ كُفِيتُمَاهُ»، فَأَتَيَاهُ فَوَجَدَاهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ يَبُولُ، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ أَفْعَى، فَمَاتَ، فَحَرَّقَاهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ... » الحديث.

والكلام على هاتين الروايتن من وجوه:

أَوَلاًً - أن مَتْنَهُمَا مُنْكَرٌ، عليه أمارات الوضع واضحة، فلسنا نعلم من سيرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأمر بإحراق الموتى، ولم تنقل لنا كُتُب السُنَّةِ المعتمدة أنه فعل ذلك ولو مَرَّةً واحدة.

ثَانِياً - أن سندهما ضعيف وفي رُوَاتِهِمَا من لا يقبل حديثه، ولذلك حكم السخاوي على هذه القصة بالوضع فقال: (لا تصح).


(١) " مشكل الآثار ": ١/ ١٦٤.

<<  <   >  >>