للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - وأما أن الحديث أشبه بشروطه وقيوده بمتن الفقه، فقد رأيت كيف اشترطوا ألا يكون المروي موافقاً لمذهب الراوي المتعصب، وقد رَدُّوا أحاديث كثيرة في العقائد، لأنها تؤيد مذاهب الرُوَاةِ، وكذلك رَدُّوا أحاديث في الفقه كثيرة للسبب نفسه، مثل: «الْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقَ لِلْجُنُبِ ثَلاَثًا فَرِيضَةً»، ومثل: «إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتِ الصَّلاَةُ» وأمثال هذه الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالوضع كثيرة. انظر " نصب الراية "، و"موضوعات ابن الجوزي " و"اللآلئ المصنوعة " للسيوطي.

٥ - وأما أن الحديث هل ينطبق على الواقع أم لا؟ فقد ذكروا ذلك، كما رأيت، ومن أجله رَدُّوا أحاديث كثيرة منها «لا يُولَدُ بَعْدَ الْمِائَةِ مَوْلُودٌ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ»، لأنه يخالف الواقع المشاهد، فإن أكثر الأئمة وأشهرهم ذكراً مِمَّنْ ولدوا بعد القرن الأول الهجري. ومنها «الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» ومنها «عَلَيْكُمْ بِالْعَدْسِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ يُرَقِّقُ الْقَلْبَ وَيُكْثِرُ الدَّمْعَةَ» قالوا: هذان حَدِيثًان باطلان لمخالفتهما للواقع المعروف في عالم الطب وتجربة الناس.

٦ - أما أنه هل هناك باعث سياسي للوضع؟ فقد رأيت أنهم نصوا على رواية ذوي المذاهب والأهواء المُتَعَصِّبِينَ، وبذلك رفضوا أحاديث غُلاَةِ الشِيعَةِ فِي عَلِيٍّ. وَغُلاَةِ البكرية في أبي بكر. وَغُلاَةِ العثمانية في عثمان، والمتعصبين للأمويين في بني أمية. والمتعصبين للعباسيين في بني العباس، وقد رأيت أنهم تنبهوا إلى أن الخلافات السياسية من أهم عوامل الوضع، فتتبعوا الأحاديث في ذلك ونقدوها نقداً شديداً. وكان ما قبلوه منها - بعد النقد والتمحيص - أقل بكثير مِمَّا رفضوه.

٧ - وأما أنه هل يتمشى الحديث مع البيئة التي قيل فيها أم لا؟

فقد نصوا على ذلك وَرَدُّوا من أجله أحاديث متعددة:

منها «رَمَدْتُ فَشَكَوْتُ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لِي: أَدِمْ النَّظَرَ إِلَى المُصْحَفِ».

<<  <   >  >>