للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس أجمعين بشرع محكم، وسعادة شاملة للناس في دنياهم وآخرتهم.

أما أتباع المُسْتَشْرِقِينَ من المُسْلِمِينَ كمؤلف " فجر الإسلام " فمن المؤسف أنهم انساقوا في ذلك الاتجاه، ولم يفطنوا إلى خطأ تلك الطريقة وخطورتها والدس في الدعوة إليها. فأخذوا ينعون على علمائنا تقصيرهم في نقد المتن، غير مستمسكين من الحجج إلا بما أتى به المُسْتَشْرِقُونَ.

وها أنا لم أعثر في كل ما كتبه «أحمد أمين» في هذا الموضوع على رأي طريف لم يأخذه عن المُسْتَشْرِقِينَ، ثم أخذ يضرب هو وأمثاله على وتيرة تحكيم العقل، في نقد الأحاديث، ولا أدري أي عقل يريدون أن يحكموه ويعطوه من السلطة أكثر مِمَّا أعطاه علماؤنا في قواعدهم الدقيقة؟ ليس عندنا عقل واحد نقيس به الأمور، بل العقول متفاوتة، والمقاييس مختلفة، والمواهب متباينة، فما لا يعقله فلان ولايفهمه، قد يراه آخر معقولاً مفهوماً.

وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلاً بِلَيْلَى * ... * ... * وَلَيْلَى لاَ تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا

كما أن ما يخفى على الناس في بعض العصور حِكْمَتُهُ وَسِرُّ تشريعه، قد يتجلى لهم في عصر آخر معقول الحكمة واضح المعنى حين تتقدم العلوم وتنكشف أسرار الحياة، ففتح الباب في نقد المتن بناء على حكم العقل الذي لا نعرف له ضابطاً، والسير في ذلك بخطى واسعة على حسب رأي الناقد وهواه، أو اشتباهه الناشئ في الغالب عن قلة اطلاع، أو قصر نظر، أو غفلة عن حقائق أخرى، إن فتح الباب على مصراعيه لمثل هؤلاء الناقدين، يؤدي إلى فوضى لا يعلم إلا الله منتهاها، وإلى أن تكون السُنّةُ الصحيحة غير مستقرة البنيان ولا ثابتة الدعائم، ففلان ينفي هذا الحديث، وفلان يثبته، وفلان يتوقف فيه، كل ذلك لأن عقولهم كانت مختلفة في الحُكْمِ والرأي والثقافة والعمق، فكيف يجوز هذا؟. ثم أليس لنا أكبر عبرة فيما وقع فيه مؤلف " فجر الإسلام " من أخطاء بشعة حين أراد أن يسير في هذا الاتجاه، فَكذَّبَ ما لا مجال لتكذيبه، وحكم بوضع ما قامت الأدلة والشواهد على صحته! وإليك البيان.

<<  <   >  >>