للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَبُرْهَانٌ، وَوَحْيٌ أَوْلَى أَنْ تُتَلَقَّى أَقْوَالُهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَتَرْكِ الاعْتِرَاضِ» (١).اهـ.

هذا خلاصة ما ذكروه في هذا المقام، والذي أراه أن المبادرة إلى تكذيب حديث ورفضه لا يصح، إلا إذا وهن طريقه، أو حكم العقل والطب حُكْمًا قاطعاً بتكذيبه وبطلانه، وهذا الحديث قد صح عنده من غير طريق عن أئمة الحديت، ورواه ثقات عدول لا مجال لتكذيبهم، ومتنه صحيح على وجه الإجمال، وقد جَرَّبَهُ كثير من الناس، وَكُنْتُ مِمَّنْ جرّبه فظهر صدقه إذ أثبت للعجوة فائدة، وحض على أكلها، ومن المقرر حتى في الطب الحديث أن العجوة مُغَذِّيَةٌ، مُلَيِّنَةٌ للمعدة، منشطة للجسم، مبيدة للديدان المنتشرة فيه، ولا شك أن الأمراض الداخلية من تعفن الأمعاء وانتشار الديدان سموم تُودِي بحياة الإنسان إذا استفحل أمرها. وإذاً فالحديث من حيث معالجة العجوة للسموم؟ بالجملة، صادق لا غبار عليه.

أما السحر فإذا ذهبنا إلى أنه مرض نفسي، وأنه يحتاج إلى علاج نفسي، وأن الإيحاء النفسي له أثر كبير في شفاء المرضى بمثل تلك الأمراض، وإذا أخذنا العجوة إلى أنها مغذية مفيدة للجسم، مقوية للبنية، قاتلة للديدان، قاضية على تعفن الفضلات، وأنها من عجوة المدينة، مدينة النَّبِيّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن هذا علاج وصفه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. لا أشك في أن ذلك يُحَدِّث أثراً طيباً في نفس المسحور، وقد أثبت الطب أثر التخيل والوهم والإيحاء النفسي في كثير من الأمراض شفاء أو إصابة، أفليس ذلك من شأنه ألا نتسرع في تكذيب الحديث ما دام من الممكن تخريجه على وجه معقول؟

وإذا كان الطب الحديث لم يوفق في اكتشاف سائر خواص العجوة حتى الآن. أفليس من الخطأ، التسرع إلى الحُكْمِ بوضعه، وهل اِدَّعَى أحد أن الطب انتهى إلى غايته، أو أنه اكتشف كل خاصة لكل من المأكولات والمشروبات والنباتات والثمار التي في الدنيا؟ إنك لا تشك معي في أن


(١) " زاد المعاد ": ٣/ ٩٤.

<<  <   >  >>