للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من لبنها حتى رويت، قال: الله أسقاك، قال: فرجعت إلى أهلي فَقِلْتُ (من القيلولة)، فلما استيقظت دعوت بماء فشربته، فقال: يا ابن أخي، أنت لم تَعَوَّدْ على الصيام!.

وروى ابن قتيبة في " المعارف " أن مروان بن الحكم استخلف أبا هريرة على المدينة، فركب حماراً قد شد عليه بردعة، وفي رأس الحمار خلية من ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: «الطَّرِيقَ ... قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ»، وقد استغل الطاعنون في أبي هريرة (أمثال جولدتسيهر) (١) هذه الدعابة التي كانت فيه فبنوا عليها أنه كان ضعيف العقل. ويظهر أن مؤلف " فجر الإسلام " يستحسن هذا الرأي، ولذلك أشار فيما كتبه عن أبي هريرة إلى ما ذكره ابن قتيبة من نوادره، ولم ير في جميع خلاله وأخلاقه ما يستحق منه مثل هذا التنبيه، ولا ريب أن هذا تحامل على أبي هريرة وتشويه لحقيقته على غير أساس، فظهور الرجل بمظهر المتلطف المداعب المحب للمزاح لا يحط من قدره، ولا يكون مظهراً من مظاهر اضطراب عقله وخفته، وإلا لزم أن يكون كل لطيف مزوح، خفيف العقل، وكل ثقيل الظل جافي الطبع، كبير العقل وافر التفكير.

زُهْدُهُ وَعِبَادَتُهُ وَوَرَعُهُ:


تقدم أنه كان من أهل الصُفَّةِ، وأنه كان يصحب النَّبِيّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أكثر الأوقات، ويأكل عنده، وكثيراً ما تحمل آلام الجوع حرصا منه على أن لايفوته شيء من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج البخاري عن أبي هريرة: «وَاللهِ اَلَّذِي لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْت لأَعْتَمِد عَلَى الأَرْض بِكَبِدِي مِنَ الجُوعِ، وَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي»، ويقول: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَيُقَال: مَجْنُونٌ، وَمَا بِي جُنُونٌ، وَمَا بِي إِلاَّ الجُوعُ».

<<  <   >  >>