للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالبيت وهو يقول: «وَيْلٌ لِي مِنْ بَطْنِي، إِذَا أَشْبَعْتُهُ كَظَّنِي، وَإِنَّ أَجَعْتُهُ سَبَّنِي أَوْ أَضْعَفَنِي» (١).

أبو نعيم من كبار الحفاظ في عصره بلا شك، ولكنه لم يلتزم في كتابه " حلية الأولياء " ذكر الروايات الصحيحة، وكم ذكر فيه من موضوع وتالف وضعيف نَبَّهَ العلماء على ضعفه، ومنه هذا الأثر عن أبي هريرة فإن راويه فرقد السبخي وهو لم يدرك أبا هريرة. وأيضاًً فقد كان غير ثقة.

وعلى فرض صحة الأثر عن أبي هريرة فأي شيء فيه؟ ألم يقل ما هو حق في كل بطن؟ إن البطن إذا شبع بطر الإنسان، وإذا جاع ضعف وخوى ... أليس كذلك بطن أَبِي رَيَّةَ أيضاًً؟ أم يزعم أن بطنه على الحالين - في الشبع والجوع - على اطمئنان ورضى وهدوء؟

٩ - ونقل عن " الحلية " أيضاًً أن أبا هريرة كان في سَفَرٍ، فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال: إني صائم، فلما كادوا يفرغون، جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم، فقال: ما تنظرون؟ قد واللْه أخبرنا أنه صائم، فقال أبو هريرة: صدق، إني سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «صَوْمُ رَمَضَانَ، وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ وَقَدْ صُمْتُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَأَنَا مُفْطِرٌ فِي تَخْفِيفِ اللهِ، صَائِمٌ فِي تَضْعِيفِ اللهِ» (٢).

ولعمري لقد سمح أَبُو رَيَّةَ في تتبع مثالب أبي هريرة حتى لم يعد يدرك مواطن الظرف والمرح والمزاح في أحاديثه، وهل هذه الحادثة إلا دليل على ما كان يَتَحَلَّى به من روح مرحة ودعابة لطيفة جعلته مُحَبَّبًا إلى قلب كل مؤمن؟

أي شيء يجرح دين أبي هريرة وعدالته وكرامته في هذه الحادثة؟ أي


(١) ص ١٥٧، والعبارة المذكورة هي في: ١/ ٣٨٢ من "الحلية ".
(٢) ص ١٥٨ نقلاً عن «البداية والنهاية»: ٨/ ١١٢.

<<  <   >  >>