للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن عائشة كانت «تَسْتَغْرِبُ» من أبي هريرة بعض الأحاديث لأنها لم تعلم بها، فكان يجيبها أحياناً بأنها كانت تلازم البيت وتشتغل بالزينة بينما كان هو يدور مع رسول الله ويلازمه ويسمع حديثه، فلم يسعها إلا أن تعترف بذلك وتقول: «لَعَلَّهُ» وهذا أدب من أم الؤمنين واعتراف بالحق لأهله وفضيلة حُرِمَ مِنْهَا أَبُو رَيَّةَ وأمثاله.

واعتراض عائشة على أبي هريرة بقضية «المهراس» حَقَّقْنَا القول في أنها ليست هي التي اعترضت، وإنما هو رجل يقال له: «قين الأشجعي» من أصحاب عبد الله بن مسعود.

واعتراضها عليه في حديث صوم الجُنُبِ واعترافه بأنها أعلم بما كان من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في البيت مع نسائه فهذا هو أيضاً فضيلة لأبي هريرة حيث اعترف بالحق لأهله - وقد حُرِمَ هذه الفضيلة أَبُو رَيَّةَ - على أَنَّ أبا هريرة كان يروي حَدِيثًا فَبَيَّنَ أنه سمعه من صحابي آخر- وقد قدمنا القول في ذلك - وبقول أبي هريرة قال عدد من فقهاء التَّابِعِينَ وَالمُجْتَهِدِينَ رغم قول عائشة وَتَعَقُّبِهَا.

٤ - ونقل أَبُو رَيَّةَ عن ابن كثير أن الزبير لما سمع أحاديثه قال: صدق، كذب.

وأَبُو رَيَّةَ في هذا النقل صنع ما قص الله علينا من صنيع بعض أهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ..

فابن [كثير] (*) نقل عن الزبير بعد قوله ذاك ما يلي: فَقَالَ عُرْوَةُ لأَبِيهِ الزُّبَيْرُ: «قُلْتُ: يَا أَبَهْ مَا قَوْلُكَ، صَدَقَ كَذَبَ؟ قال: (الزبير) «يَا بُنَيَّ! أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ أَشُكُّ، وَلَكِنَّ مِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى مَوَاضِعِهِ، وَمِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ» (١).

فهلْ ترى الزبير هنا يُكَذِّبُ أبا هريرة كما يزعم أَبُو رَيَّةَ أم يعترف له بالصدق؟


(١) البداية والنهاية: ٨/ ١٠٩.

<<  <   >  >>