للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَقِيتُهُ بِالعِرَاقِ»، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «هَذَا نَبِيلٌ مِنَ المَشَايِخِ، اذْهَبْ فَاسْتَكْثِرْ مِنْهُ»، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ» ... ثُمَّ اجْتَمَعَ الأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيْفَةَ بِمَكَّةَ، فَتَذَاكَرَا المَسْائِلَ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ المُبَارَكِ فَكَشَفَهَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ لابْنِ المُبَارَكِ: «غُبِطْتُ الرَّجُلُ بِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَُْفَوَرِ عَقْلِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، لَقَدْ كُنْتُ فِيْ غَلَطٍ ظَاهِرٍ، الْزَمْ الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ بِخِلاَفِ مَا بَلَغَنِيَ عَنْهُ» (١) (*).

مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ:

ويسوقفنا القول عن هذه الناحية إلى التعرض لما أثر عن كبار العلماء في عصر أبي حنيفة من أقوال متناقضة في أبي حنيفة. فقد رُوِيَ عن مالك، والثوري، والأوزاعي، وسفيان بن عُيينة، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم أقوال مختلفة في الحكم على أبي حنيفة، وتجد ذلك واضحاً فيما ساقه الخطيب في " تاريخه " من روايات في الثناء والذم على السواء، من أئمة بأعيانهم، ونحن وإن كنا نذهب إلى ما ذهب إليه المَلِكُ المُعَظَّمْ عِيسَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ الأَيُّوبِي (٢) وغيره من كَذِبِ الروايات المنسوبة إلى الأئمة في الطعن بأبي حنيفة. إلا أننا لا نستغرب أن يكون قد صح عنهم شيء من هذا للسبب الذي ذكرناه آنِفاً وضربنا له مِثَالاً من موقف الأوزاعي قبل أن يجتمع بأبي حنيفة، وموقفه بعد الاجتماع به، فهذا عندي هو المَحْمَلُ الصحيح، لما قد يصح من أخبار في ذَمِّ أبي حنيفة من بعض علماء عصره، وأنا لا أشك في أن آخر الأمرين منهم كان تحسين الظن به والثناء عليه، والإشادة بفضله، بعد أن كثرت رحلاته إلى المدينة ومكة والبصرة وبغداد، حتى ذكروا أنه حَجَّ خمساً وخمسين حَجَّةً، ولا شك أنه كان في جميعها يجتمع بالعلماء ويدارسهم وَيُبْدِي لهم ما عنده ويأخذ ما عندهم، ولهذا أثره بلا شك في فهمهم لطريقة الإمام في الاجتهاد واطلاعهم على حقيقة عذره فيما ترك من


(١) " الخيرات الحسان ": ص ٣٣.
(٢) في كتابه " السهم المصيب في كبد الخطيب ".

<<  <   >  >>