للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلِزُفَرْ أيضاًً كتاب " الآثار " يكثر فيه عن أبي حنيفة، ونسختا زفر في الحديث مِمَّا ذكر الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث " (١).

هذا هو القول في بضاعة أبي حنيفة في الحديث، وكما سقطت فرية قلة بضاعته كما رأيت، تسقط الفرية الأخرى التي تدعي أنه لم يصح عنده إلا بضعة عشر حَدِيثًا، فهذا القول عدا أنه لا وُرُودَ له في كتاب معتبر ولم نره إلا لابن خلدون (٢) وعبارته مبهمة إذ يذكر أن ذلك عدد مروياته. وهذا المعنى غير صحيح وعدا هذا فإن ما صح عن أبي حنيفة من المسانيد التي ذكرت أحاديثه وما روي عنه في فقهه من الحديث الذي عمل به يبلغ المئات كما ذكرنا مِمَّا يكذب هذا القول ويجعله فرية مكشوفة.

ونحب أن ننوه هنا بخطأ وقع فيه بعض الكُتَّابِ (٣)، وهو أنهم يعتذرون لأبي حنيفة عن قلة الحديث بأنه كان في الكوفة وأحاديثها قليلة، وهي ليست دار حديث، وهذا خطأ أوقعهم فيه عدم التَنَبُّهِ لمكانة الكوفة العلمية في عصر أبي حنيفة، وعدم التَنَبُّهِ لرحلات أبي حنيفة العلمية إلى أشهر المدن الإسلامية.

أما الكوفة فقد كانت منذ بنائها سَنَةَ ١٧ هـ مَحَطَّ [رِحَالِ] (*) كبار الصحابة، وقد بعث عمر إلى أهل الكوفة عبد الله بن مسعود المعروف بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وهو سادس سِتَّةٍ في الإسلام - ليعلمهم القرآن ويفقههم في الدين قائلاً لهم: «وَإِنِّي آثَرْتُكُمْ عَلَى نَفْسِي بِعَبْدِ اللهِ» وما ذاك إلا لكبر منزلة ابن مسعود في العلم بحيث لا يستغني عنه الخليفة في عاصمته، وقد قال - عَلَيْهِ السَلاَمُ -: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ


(١) " تأنيب الخطيب ": ص ١٥٦.
(٢) لعل منشأ قول ابن خلدون من أن محمداً روى " المُوَطَّأ " عن مالك وزاد فيه ثلاثة عشر حَدِيثًا من روايته عن أبي حنيفة، وأربعة أحاديث من روايته عن أبي يوسف. فظن من لا علم له أن هذا كل م صح عن أبي حنيفة من أحاديث، ومع ذلك فلا بد من إدامة البحث حتى نتأكد من المصدر الذي استقى منه ابن خلدون عبارته.
(٣) ومنهم الدهلوي في كتابه "حُجَّة الله البالغة ".

<<  <   >  >>