للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال العلماء في معنى الحيض واختلافهم في ذلك]

إن الألفاظ المشتركة كانت سبباً من أسباب الاختلاف والنزاع بين الفقهاء، مثال ذلك: قول الله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢].

اختلف العلماء في معنى المحيض، وقالوا: المحيض يأتي مصدراً ويأتي اسماً للمكان، يعني: هو مشترك يقصد به محل الدم، أو زمن حضور الدم.

القول الأول: المحيض هنا اسم للمحل، يعني: اعتزلوا محل الحيض، وهو الفرج، وأصحاب هذا القول يقولون: يجوز للرجل أن يباشر امرأته في الفرج دون إيلاج وفي غير الفرج؛ لأن الأمر بالاعتزال في الآية يتعلق بمحل الحيض، يعني: في الفرج، فقالوا: يجوز للرجل أن يقبل ويضم ويفاخذ، ويباشر تحت السرة وعند الفرج دون أن يلج، وإنما المحرم عليه فقط هو الإيلاج، قالوا: الدليل قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢].

يعني: اعتزلوا مكان الحيض، وهو الفرج فقط، أو اعتزلوا إدخال الفرج في الفرج، أما غير ذلك فلك أن تتمتع بزوجتك كما شئت، قالوا: وعندنا من السنة ما يعضد هذا المعنى، وهو حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اصنعوا كل شيء سوى النكاح) قوله: (سوى النكاح) ليس معناه: سوى العقد، وإنما يعني: سوى الوطء، بقرينة أنها زوجته، ومعنى الحديث: اصنع كل شيء قبل باشر ضم فاخذ، قالوا: وهذا دليل من أظهر ما يكون، وهو يعضد معنى قول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢].

يعني: اعتزلوا مكان الحيض وهو الفرج، هذا هو القول الأول، وهو الذي رجحه الشافعي، وهو قول المالكية والأحناف والشافعية.

القول الثاني: للحنابلة والظاهرية، وهؤلاء قالوا: إن معنى قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢] يعني: زمن الحيض، أي: ألا يباشر امرأته وهي حائض؛ لكن نحن نخصص عموم عدم المباشرة بما فوق السرة، أي: له أن يباشر فوق السرة وتحت الركبة، وقالوا: وهذا المعنى يعضده ما ورد في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا وهي حائض- يعني: زمن المحيض- أن تتزر، فيباشرها من فوق الإزار) وورد في بعض الآثار التي فيها كلام أن الأمر بالمباشرة كان فوق الإزار، فقالوا: هذا دليل أيضاً على أن المعنى: لا تقربها زمن المحيض.

نأتي إلى الراجح في ذلك، علمنا محل النزاع، وهو قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢].

وهل هو محل الحيض أو زمن المحيض؟ من قال: إنه محل الحيض، أباح للرجل أن يباشر امرأته تقبيلاً وضماً ومفاخذة، ومن قال: زمن الحيض منع كل ذلك إلا المباشرة من فوق السرة أو تحت الركبة، فهل الراجح أن يباشر حتى يقارب الفرج دون أن يلج، أو لا يباشر إلا بما فوق السرة فقط؟ أقول: الصحيح الراجح في ذلك الذي لا محيد عنه: أنه يباشر امرأته في كل مكان دون أن يلج فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح: (اصنعوا كل شيء سوى النكاح) و (كل) نص في العموم، (اصنعوا كل شيء) من تقبيل وضم ومفاخذة، لكن لا تدخل الفرج في الفرج، هذا من الأثر، أما من النظر الذي يرجح لنا ذلك، فلو قلنا بقول الآخرين على أن معنى قول الله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢]: هو زمن الحيض، فنقول: عموم قول الله تعالى ((فَاعْتَزِلُوا)).

معناه: لا تقربها لا بضم ولا مباشرة ولا تقبيل، هذا ظاهر اللفظ، لكن قالوا: لا، نحن نخصص هذا العموم بالسنة، قلنا: إذاً اللفظ حملتموه ما لا يحتمل؛ لأن الأصل أن يبقى العام على عمومه، ويبقى المطلق على إطلاقه، وهنا الأصل عدم التخصيص، فأنتم بتخصيصكم أضعفتم دلالتكم، ونحن لم نخصص، فبقيت الدلالة عندنا سالمة من التخصيص، وسالمة من التقييد، وسالمة من المعارضة، فيكون هذا هو الأرجح، إذ العام الذي خصص قد ضعفت دلالته، والعام الذي لم يخصص لم تضعف دلالته، فهذا من النظر.

إذاً: الصحيح الراجح أن للرجل أن يباشر امرأته في كل مكان دون أن يلج في الفرج، حتى ولو كانت حائضاً.

أقول: محل النزاع في هذه المسألة هو الاشتراك في اللفظ، واللفظ هو (المحيض)، فالمحيض يتردد بين مكان الحيض وهو الفرج، ويتردد بين زمن الحيض، وقد رجحنا أنه مكان الحيض.

<<  <  ج: ص:  >  >>