للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأوحت الانتهازية نفسها في الجزائر بعض التصرفات المجردة من أي أهمية اجتماعية، ولكنها ذات مظهر ديمقراطي، وذلك مثل إلغاء القانون المشهور بـ (قانون أبناء المستعمرات) ومنح رخصة الصيد في ظل بعض الشروط، ودخول المسلمين المقيد في بعض المجالس المحلية، حيث بقي القرار النهائي من كل وجه في أيدي الأوروبيين، وكان هذا- كما قالوا- دين الاعتراف بالجميل للثمانين ألفاً من الجزائريين الذين ماتوا من أجل فرنسا.

ولكن ساعة (أخوة السلاح) تمضي- بطبيعة الحال- كما تمضي سائر الساعات.

ففي الشرق الأدنى لم يكن الأمر أمر مملكة عربية، وإنما كان أمر إنشاء (وطن قومي يهودي).

وفي الجزائر، لم تكد أعلام الفرق المنتصرة المؤلفة من أبناء المستعمرات تطوى، حتى وجدنا أن التصرفات التي أملتها (أخوة السلاح) قد بدأت تسحب، وربما كان سحب قانون فبراير سنة ١٩١٩م الحدث الأول الذي يؤرخ به إقحام الضمير الجزائري في السياسة، وهو تاريخ مهم في تكوين الفكرة والمطالب القومية. وكان هذا الحدث أيضاً هو الذي كشف عن الطريقة الاستعمارية التي شكلت منذ ذلك الحين رصيد السياسة الفرنسية في مراكش، وهي تتمثل في جعل أعمال الاضطهاد والسلب والنهب تحت إشراف الرجعية التقليدية، و (الشخصيات الإسلامية) التي خلفت لنا خلفاء نعرفهم بأسمائهم.

وإذن فقد مضت الانتهازية في الشرق كما في إفريقية الشمالية حاملة معها محاولات (أخوة السلاح). بينما نجد السياسة الدولية في مظهرها الجديد تنتقل من المثالية إلى الواقعية. فهي وفي سنة ١٩١٩م كانت قد انتقلت من مثالية (ولسن) إلى واقعية (لويد جورج)، وفي سنة ١٩٤٥م خطت الخطوة نفسها بموت (روزفلت) الذي تخلت فلسفته الإنسانية عن مكانها لمذهب استعماري جديد تجسد كثيراً أو قليلاً في (تشرشل)، وفرّط فيه أو دافع عنه (ترومان).

<<  <   >  >>