للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصوف، وهل لها دلالات معينة على عقله ومنهجه في التفكير؟.

لقد ترك السيوطي في التصوف عددا لا بأس به من الرسائل، وأفتى ببعض الفتاوى فيه ونرى في فتاواه تعمقه في فهم التصوف ومصطلحاته ومذاهب أهله، كما نرى دفاعه عن رجال التصوف المبرّزين وانتصاره لهم، كذلك نرى دفاعه عما يصدر عن المتصوفة من أفعال ينكرها عليهم أهل الظاهر، ويعد ذلك من الأحوال التي تعرض لهم، وعلى غيرهم أن يسلم بها «١».

والذي نلاحظه على كتاباته في التصوف حبه العميق للمتصوفة وحسن ظنه بهم، وتساهله في إيراد الأحاديث التي تدعم أقوالهم، ولو كانت هذه الأحاديث تروي غرائب أو أشياء قد ينكرها العقل، ولا يقر بقبولها.

فهو مثلا يكتب رسالة يسميها «المنجلي في تطور الولي» «٢»، يحاول أن يثبت فيها نقلا وعقلا إمكان وجود الولي في أكثر من مكان في الوقت الواحد، ويفيض في الأقوال المثبتة لما يقول وبالرغم من ذلك فإنه في كلامه عن حديث «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة»، والذي عقد له رسالة سماها «القول الجلي في أحاديث الولي» «٣»، لم يزد على إيراده بأمانة جميع الطرق التي ورد بها الحديث وكلام أصحاب الحديث عن رجال هذه الطرق وتضعيف بعضهم، والحكم على الحديث بالضعف أو بالغرابة، ولم يعلق على ما نقله بشيء، وهذا يدلنا في الحقيقة على أمانته وتحرجه، بيد أنه لميله إلى التصوف يرجح ما يسند أقوالهم، فهو يرجح- مثلا- كون الحسن البصري قد لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروى عنه، مع نص ابن حجر وغيره من كبار المحدثين على أنه لم يلقه، وذلك لأن المتصوفة يروون أن عليا قد ألبس الحسن خرقة التصوف، فإثبات عدم اللقاء يهدم قولهم ولذلك كتب السيوطي رسالة سماها «إتحاف الفرقة برفو الخرقة» حاول فيها إثبات رواية الحسن عن علي وبالتالي إثبات الباسه إياه خرقة


(١) انظر الحاوي للفتاوى ج ٢ ص ٤٠٥ وما بعدها، بعض الفتاوى المتعلقة بالتصوف.
(٢) الحاوي ج ١ ص ٣٣٥.
(٣) الحاوي ج ١ ص ٥٦٠.

<<  <   >  >>