للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم على طريقة التعبير عنده، كما ينبغي ألا نغفل تعبيره الشعري، فله من الإنتاج الشعري ما يجدر أن نقف عنده بعض الوقت.

ومن العجيب أنه قد جعل الترسل والانشاء في أواخر قائمة الفنون التي أجادها «١»، ولكن هذا في الحقيقة يعني أن إجادته لهما دون إجادته وعنايته بغيرهما، وإن كان ذلك لا يعني أنه لم يدل في هذين الفنين بدلوه.

وقد عني بالإنشاء والترسل الكتابة الأدبية لا العلمية أو كتابة الدواوين ورسائلها، وهو أقل إنتاجا فيها، بيد أن له عددا كبيرا من المقامات والرسائل الأدبية والافتتاحات الأدبية الجميلة التي تعطينا صورة عن حياته الأدبية وأسلوبه لا سيما أنه قد عاش غضوبا سيال القلم تكلفه الغضبة رسالة يكتبها انتصارا لنفسه ومن هذه الرسائل نستطيع التعرف عليه أديبا معبرا عن نفسه مصورا مشاعره.

وقد كانت الكتابة الأدبية في عصره- كما سبق أن بينا- يطغى عليها البديع، وأصبح ذلك التسابق في استخدام المحسنات اللفظية على اختلاف ضروبها شغل الكتاب الشاغل، وهو ما دعا السيوطي إلى الاعتراف بأنه لم ينبغ النبوغ الكافي في الانشاء والترسل، فهو حقا لم يبلغ ما بلغه كبار كتاب العصر السابقين له الذين برزوا في مدرسة البديع، وطول الاشتغال بالعلم وممارسة التأليف لا تترك لصاحبها فرصة لاتباع البديع والتزام المحسنات. على أن السيوطي قد جرى على نفس المنهج وسابق رجاله، فصدرت عنه رسائل ومقامات وكتب كثيرا من مقدمات كتبه ملتزما الأسلوب البديعي، ولكنه له بعض الرسائل التي تحرر فيها من بعض قيود اللفظ إلى حد ما، ولم تأسره الصناعة اللفظية.

وقد كان أسلوبه في هذه وتلك تبدو فيه السهولة والوضوح والتجافي عن الغموض والتعقيد وهو متصل بما قدمنا من مميزات شخصيته التي تأثرت بالبيئة المصرية التي تميل إلى الاستقامة والسهولة والوضوح.

وقد كتب السيوطي مقامات متنوعة اتبع في بعضها نهج الحريري وبديع


(١) حسن المحاضرة ج ١ ص ١٩٠.

<<  <   >  >>