للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحيث يعرف محل الاستدلال بذلك من الكتب، ويكون مع ذلك محيطا بقواعد النحاة التي بنوا تصرفاتهم عليها غير القواعد المذكورة في واضحات الكتب، فإن تلك كالأصول لهذه القواعد، وهذا لا يعرفه الآن إلا متبحر في الفن» «١».

والحق أن صلة السيوطي باللغة ودراستها جد مبكرة فقد كانت أول إجازة علمية حصل عليها في حياته بتدريس العربية، وقد تتلمذ كما رأينا على يد أشهر رجال عصره في النحو وهم الكافيجي والشمني وسيف الدين الحنفي، وقد أتاحت له ظروفه أن يقف على كثير من الكتب التي لم تكن في متناول غيره من خزانة محمود التي كانت تحت نظره، وقد وضح صلته بالدرس اللغوي قائلا:

«ولم أزل من زمن الطلب أعتني بكتبها قديما وحديثا، وأسعى في تحصيل ما درس منها سعيا حثيثا إلى أن وقفت منها على الجم الغفير، وأحطت بغالب الموجود مطالعة وتأملا، بحيث لم يفتنى سوى النزر اليسير، وألفت فيها الكتب المطولة والمختصرة وعلقت التعاليق ما بين أصول وتذكرة، واعتنيت بأخبار أهلها وتراجمهم وإحياء ما دثر من معالمهم، وما رووه وروّوه، وما تفرد به الواحد منهم من المذاهب والأقوال، ضعفه الناس أو قووه، وما وقع لهم مع نظرائهم وفي مجالس خلفائهم وأمرائهم من مناظرات ومحاورات ومجالسات ومذاكرات ومدارسات ومسامرات وفتاوى ومراسلات، ومعاياة ومحاجاة، وقواعد ومناظيم، وضوابط وتقاسيم، وفوائد وفرائد، وغرائب وشوارد، حتى اجتمع عندي من ذلك جمل ودونتها رزما لا أبالغ وأقول وقر جمل» «٢».

وقد حاول أن يسلك مسلك اللغويين القدماء في إملاء اللغة كما يملي الحديث في مجالس، ولكنه لم يجد من يحمل ذلك عنه «٣».

وتدل آثاره في الدراسات اللغوية على أنه لم يكن مبالغا في أقواله السابقة، فكثرة ما جاء بها من أفكار وأخبار وترتيبها وتنسيقها يستلزم مجهودا ضخما وإحاطة واسعة ودراية بالغة بهذه الفنون.


(١) نفس المصدر ورقة ٩، ١٠ ص ١٨، ١٩.
(٢) مقدمة الأشباه والنظائر ص ٣.
(٣) المزهر ج ٢ ص ٣١٤.

<<  <   >  >>