للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العناية كفيلة بأن توفر الثقة في المنقول إلينا بعد اجتيازه لمرحلة النقد السابقة، بيد أن كلتا البيئتين لم تقتصر- في الواقع- على هذه المرحلة، بل أتبعتها بمرحلة أخرى من النقد تتناول المنقول نفسه، وهي ما نسميه بنقد المتن.

وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن المسلمين قد اقتصروا في نقدهم على الأسانيد ولم يتناولوا المتون، وقد جازت هذه الفكرة إلى الشرق وتبعها أحمد أمين في كتابه ضحى الاسلام، وقد رد أمين الخولي على هؤلاء مبينا أن المسلمين اهتموا بنقد المتن كما اهتموا بنقد السند، ومن الأدلة على ذلك اعطاؤهم الحديث ألقابا اصطلاحية من صفات خاصة بالمتن دون السند كتسميتهم «الشاذ» و «المقلوب» و «المضطرب» و «مدرج المتن» و «المحرف» و «المصحف».

وكذلك وصفهم قواعد لنقد المتن تصل من الحرية العقلية إلى حد بعيد، وقد مثل لقيامهم بنقد متون بعض الأحاديث، ثم بين أن علم الحديث قسمان: علم الحديث دراية وهو

أصول الحديث، وعلم الحديث رواية وهو دراسة الحديث عند الفقهاء والمتكلمين والمفسرين، ولدى هذه البيئات نجد قيامهم بنقد المتن «١».

إذا كان هذا أمر نقد المتن في بيئة المحدثين فماذا كان من أمره في بيئة اللغويين وقد تبين لنا في المرحلة الأولى ترسم اللغويين- لا سيما السيوطي- لخطى أهل الحديث في قواعد النقد وأصوله؟ ثم ما الدور الذي قام به السيوطي في دراسة نقد المتن؟.

وقد حظي النظر في النصوص اللغوية ونقدها بعناية اللغويين والنقاد منذ وقت مبكر، وقرر ابن سلام أنه «ليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا ولا ما وضع المولدون، وإنما عضل بهم أن يقول الرجل من أهل بادية من ولد الشعراء أو الرجل ليس من ولدهم فيشكل ذلك بعض الأشكال» «٢».


(١) انظر مادة «أصول» في دائرة المعارف الاسلامية (الترجمة العربية)، والتعليق عليها للأستاذ أمين الخولي.
(٢) طبقات فحول الشعراء ص ٤٠، وقد نقله صاحب المزهر ج ١ ص ١٧٤.

<<  <   >  >>