للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واللغويون المحدثون يرون وظيفة اللغة في «أنها حلقة في سلسلة النشاط الانساني المنتظم، هي أنها جزء من السلوك الانساني، أنها ضرب من العمل وليس أداة عاكسة للفكر» «١»، وهم بذلك ينتقدون ما كان يراه اللغويون القدماء وبعض المحدثين أمثال سابير من أن اللغة وسيلة للاتصال أو التوصيل أو النقل أو التعبير عن طريق الأصوات الكلامية، وأن ما توصله اللغة أو تنقله أو تعبر عنه هو الفكر بما يحتويه من انفعالات ورغبات وغير ذلك «٢».

على أن انتقاد الرأي الشائع الذي يذهب إلى أن اللغة وسيلة لتوصيل الفكر لا يعتمد إلا على بعض المظاهر التي يرى فيها أصحابه أن الغرض الأساسي من استعمال اللغة ليس توصيل الفكر، أو بعبارة أكثر دقة لا يكون توصيل الفكر هو هدف اللغة، ويمثلون لذلك بالكلام الانفرادي وبلغة الصلاة والعبادة ولغة التحية واللعب بالأصوات وغير ذلك «٣»، بيد أن هذه المظاهر لاستعمال اللغة لا تخرج في حقيقة الأمر باللغة عن كونها ألفاظا متعارفا عليها تعبر عن معان متعارف عليها، فالذي يتحدث إلى نفسه يتحدث بلغة يفهمها وكأنه بذلك يعبر عن نفسه ويوصل أفكاره إليها، فالمتكلم والسامع هنا شخص واحد، وليست اللغة التي نستعملها في الصلاة أو العبادة أو التحية إلا ألفاظا معبرة عن معان معينة ومعروفة في جملتها، كما أنه ليس في تحديد اللغة بأنها أصوات أو ألفاظ معبرة عن المعاني ما يفهم منه اغفال وظيفتها الاجتماعية وهي ما حاول المحدثون التنبيه عليه والظهور بمظهر المستدركين له، فماذا كان مفهوم وظيفة اللغة عند اللغويين العرب ومنهم السيوطي؟.

لقد قدر اللغويون القدماء وظيفة اللغة في المجتمع وصلتها به حتى اعتبر المعتزلة وغيرهم أصل اللغات اصطلاحا بمعنى أن المجتمع هو الذي اصطلح وتعارف على اللغة، وحتى هؤلاء الذين قالوا بالتوقيف لا يطردون في كثير من المسائل مع مذهبهم الذي نادوا به ويرون أن التوقيف ليس معناه الحجر عليهم


(١) د. محمود السعران: اللغة والمجتمع ص ٧.
(٢) المصدر السابق ص ٥.
(٣) نفس المصدر ص ٨ - ١٠.

<<  <   >  >>