للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القوم جميعا في تحديد نشأة اللغة، وباستثناء ابن فارس من اللغويين نستطيع أن نقول إن جميعهم لم يجزموا بكون اللغة وحيا وتوقيفا، وبالرغم من أن القول بالتوقيف قد نسب إلى الأشعري فإن رأيه لم يحظ بتأييد أتباعه فإمام الحرمين ينقل عنه «أن العقل يجوز ذلك كله» «١»، أي كون اللغة توقيفا أو اصطلاحا، والغزالي يرى جواز القول بالتوقيف والاصطلاح، ولا يرى حجة قاطعة للقائلين بالتوقيف في قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها «٢»، ومن ثم فالرازي يذكر أن المحققين لا يقولون بالتوقيف ولا بالاصطلاح وإنما هم «متوقفون في الكل» «٣».

وابن جني الذي رجح كون اللغات اصطلاحية، وذكر بعض النظريات في تفسير نشأة اللغة من كونها من أصوات المسموعات كدوي الريح وحفيف الأشجار ونحوها لا

يستطيع أن يدلي برأي قاطع، بل ينتهي إلى التوقف وعدم ترجيح أي قول من هذه الأقوال.

ويتضح أن المعتزلة يقولون بالمواضعة والاصطلاح ويحاجون عن مذهبهم، وأن القول بالتوقيف لم يصرح بنسبته إلى أهل السنة «٤»، بل أنكر بعضهم نسبته إلى الأشعري «٥».

استطاع السيوطي أن ينقل خلاصة ما يتصل بهذا الموضوع عن اللغويين والأصوليين وأن يعرضه عرضا يتضح منه جميع المذاهب، وإذا كان المحدثون كما رأينا قد مالوا بعد طول البحث والدرس إلى تنحية هذا الموضوع عن أبحاثهم، فقد توصل بعض القدماء من قبل إلى نفس النتيجة، وقد نقل السيوطي عن صاحب رفع الحاجب «أنه لا فائدة لهذه المسألة، وهو ما صححه ابن الأنباري وغيره، ولذلك قيل ذكرها في الأصول فضول» «٦».

بيد أن السيوطي- لطبيعته النقلية- لم يصرح بموقفه من هذا المعترك، ولم


(١) المزهر ج ١ ص ٢١.
(٢) المزهر ج ١ ص ٢٣.
(٣) المزهر ج ١ ص ١٦.
(٤) المصدر السابق ج ١ ص ٢٠.
(٥) نفس المصدر ج ١ ص ٢٤.
(٦) نفس المصدر ج ١ ص ٢٦.

<<  <   >  >>