للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سابقه وقد ذكر نسبة هذا القول إلى عباد بن سليمان من المعتزلة، وبين أن جمهور اللغويين يكادون يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ وبين المعاني، والفرق بين

مذهبهم وبين مذهب عباد أنه يراها ذاتية موجبة بخلافهم «١».

والقائلون بهذه النظرية وزعيمهم ابن جني يذهبون إلى وجود هذه الصلة في جميع ألفاظ اللغة فهو يقول: «فإن أنت رأيت شيئا من هذا النحو لا ينقاد لك فيما رسمناه، ولا يتابعك على ما أوردناه فأحد أمرين: إما أن تكون لم تنعم النظر فيه فيقعد بك فكرك عنه، أو لأن لهذه اللغة أصولا وأوائل فقد تخفى عنا، وتقصر أسبابها دوننا كما قال سيبويه» «٢».

وهذا القول يعني وجود مناسبة بين اللفظ والمعنى قد تقرب فيمكن إدراكها لكونها ظاهرة، وقد تبعد فيمكن إدراكها بالتأمل، أو لا يمكن إدراكها لإمكان تطور هذه الألفاظ عن أصول كانت تتضح فيها هذه المناسبة بين اللفظ ومدلوله وأحدث التطور فيها بعض التغيير الذي جعل إدراك هذه المناسبة بعيدا.

وهذه النظرية تتصل في الواقع بالقول بنشأة اللغة عن الأصوات الطبيعية، ولكن ذلك لا يعني أن القائلين بوجود المناسبة بين اللفظ ومدلوله يقولون بنشأة اللغة عن هذه الأصوات، فجمهور اللغويين يرون هذه الصلة بين اللفظ ومدلوله بينما يذهبون في نشأة اللغة مذهبا آخر، وابن جني نفسه الذي حكى نظرية نشأة اللغة على هذا النحو لم يقطع بقبوله لها وإنما ذكر أنه «وجه صالح ومذهب متقبل» وأتبع ذلك مستدركا بما يبين توقفه وعدم ترجيحه أحد القولين «٣».

ويتضح مذهب السيوطي فيما عقب به على الأمثلة التي نقلها إذ يقول:

«فانظر إلى بديع مناسبة الألفاظ لمعانيها، وكيف فاوتت العرب في هذه الألفاظ المقترنة المتقاربة في المعاني، فجعلت الحرف الأضعف فيها والألين والأخفى والأسهل والأهمس لما هو أدنى وأقل وأخف عملا أو صوتا، وجعلت الحرف


(١) المزهر ج ١ ص ٤٧.
(٢) الخصائص ج ٢ ص ١٦٤.
(٣) الخصائص ج ١ ص ٤٧.

<<  <   >  >>