للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجوبته بعلل مقنعة وهي تنيف على عشرين مسألة «١»، توضح عناية السيوطي بدراسة النصوص وتوجيهها نحويا بحيث يتفق الإعراب أو التحليل النحوي للنصوص مع المعنى السياقي الذي يفهم من عناصر وقرائن متعدّدة، وكأنه ينبه على أهمية السياق في توجيه الإعراب حتى لا يكون التحليل الخاطئ سببا في توجيه خاطئ للمعنى.

فمنها أحاديث طلب إليه ضبط نصوصها فضبطها ووجه ضبطه، أو طلب إليه إعرابها وتوجيه قوله، فقد سئل- مثلا- عن «الجنة» في قوله صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والجنة حق والنار حق»، هل الجنة بالرفع أو النصب؟ فأجاب بأنه «بالنصب لا يجوز غيره لأنه الذي يستقيم به المعنى ولا ينافي هذا قول النحاة: يجوز الرفع بعد استكمال الخبر لأنه حيث جاز أن يكون مستأنفا، والاستئناف هنا يخل بالمعنى إذ يصير المراد الإخبار بأن الجنة حق، وليس مرادا، وإنما المراد إدخاله في المشهود به فتعين النصب» «٢».

ومن هذه المسائل أبيات من منظومات علمية في العروض، أو نصوص من كتب فقهية أو نصوص شعرية أو نصوص من خطب أو أقوال تفوه بها بعض أهل العلم في عصره. ولم تقتصر فتاواه على الناحية الاعرابية بل تناولت بنية الألفاظ وبعض المسائل الأخرى.

ونلاحظ على إجابات السيوطي أنها أجوبة قاطعة- في الغالب- يقطع فيها بصحة رأي واحد ويعلل مذهبه تعليلا واضحا محكما يعتمد أولا على المعنى ويضع في الاعتبار الأصول النحوية، ولا يغرب في تعليلاته، ويحاول وضع قواعد دقيقة للنظر في النصوص وتوجيهها، حيث ينبغي أن يكون الإعراب مناسبا للمعنى الذي يفهم من عناصر وقرائن متعدّدة، فالإعراب أحد عناصر الوصول إلى المعنى وليس هو جميع العناصر.

وتبين لنا هذه الفتاوى بعض معالم مذهب السيوطي النحوي، وقد تبينت في


(١) الحاوي للفتاوى ج ٢ ص ٤٦١ - ٤٧٥.
(٢) الحاوي للفتاوى ج ٢ ص ٤٦١.

<<  <   >  >>