للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحياة لم يأخذ صورة واضحة إلا في عصر المماليك.

وقد ساعدت عوامل كثيرة على ازدهار التصوف بالبيئة المصرية وتغلغله إلى أعماقها، فهناك عامل البيئة وحب الشعب المصري وميله الطبيعي إلى التدين بما يحتويه من تصوف فضلا عن الميراث الحضاري والثقافي لهذه البيئة، يضاف إلى ذلك ما اختصت به هذه الفترة من ظروف، منها تعرض المسلمين في هذا العصر للغزوات المستمرة من التتار المشركين من جهة الشرق، ومن الصليبيين من جهة الغرب، بالاضافة إلى الأحوال الاجتماعية القاسية التي عاشها الناس والتي سبق أن أشرنا إليها، كذلك الأوبئة والأزمات المستمرة، كل أولئك وجه أنظار كثير من الناس إلى التصوف والانقطاع للعبادة التماسا للعدالة والنعيم فيما وراء الدنيا حيث افتقدوهما في حياتهم الأولى.

وقد وفد على مصر في عصر المماليك كثير من مشايخ الصوفية المغاربة والأندلسيين كالسيد أحمد البدوي وأبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسي، وقد لقيت مسالكهم قبولا لدى المصريين، كما ظهر بمصر كثير من المتصوفين كابن الفارض «١»، وساعد على انتشار التصوف كثرة البيوت الخاصة بالصوفية والتي أقيمت لهم وهي ما عرفت بالخوانق والربط والزوايا.

وقد انقسم الصوفية إلى طرق عديدة لكل منها شيخها وشعارها، فالأحمدية- مثلا- نسبة إلى السيد أحمد البدوي وشعارها اللون الأحمر.

على أن كلمات «الخوانق والربط والزوايا» تحمل دلالات مختلفة ومتقاربة لا حاجة بنا إلى تقصيها «٢»، فهي جميعا تدل على بيوت أنشئت لتقيم بها جماعات من الصوفية الذين انقطعوا للعبادة بشروط معينة.

وقد شهد عصر السيوطي بالقاهرة عديدا من الخوانق وتحدث عنها في كتابه حسن المحاضرة خلال حديثه العام عن هذه المنشآت، فتحدث عن خانقاه سعيد السعداء التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي ووقف عليها أوقافا واستمرت


(١) حسن المحاضرة، ج ١ ص ٢٩٢ وما بعدها.
(٢) عبد الوهاب حمود: صفحات من تاريخ مصر في عصر السيوطي ص ٢٠، ٢١.

<<  <   >  >>