للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

باستجلاء الصورة العامة لذلك العصر، فمن الخطأ البين أن نحكم على السيوطي بموازين عصرنا اللاحق له ومفاهيمه، كما أنه من الخطأ أيضا أن نقيمه من منظور العصور السابقة، ذلك أن صورة العصر تفسر لنا كثيرا مما نجده عنده.

والسيوطي- في حقيقة الأمر- يعطي أصدق صورة للعلوم الإسلامية بصفة عامة في نهاية تدرجها، كما أننا نلحظ في كتاباته العديدة صورة حية للمجتمع الذي يعيش فيه ويتفاعل معه، وكون الرجل فقيها يحيا في مجتمع مسلم ويرى نفسه من مجتهدي مذهبه أو من المجتهدين على الاطلاق قد حتم عليه أن يكون على صلة وثيقة بالمجتمع وحاجاته العلمية وما ينتابه من أحداث يحتاج فيها الناس إلى حكم الله فيلجئون إليه، وقد طبقت فتاواه البلاد الاسلامية جميعا، وكان لها أثر في حياة المجتمع على عهده.

ويتصل بما قدمنا من تحديد جوانبه العقلية ما نلاحظه في رسائله وكتاباته العديدة التي لم يدع فيها خاطرا يمر به إلا دونه ونبه عليه أو وضع فيه مؤلفا، وكثير من

الموضوعات التي قد نعتبرها تافهة ترك فيها آثارا.

على أن فحص هذه الكثرة الكاثرة من الآثار يبين لنا إلى حد بعيد غلبة الطابع النقلي على منهج الرجل في جميع دراساته، ولكن ذلك لا ينفي الجهود التي بذلها في الترتيب والتنسيق والجمع، ولا ينفي بعض ابتكاراته الهامة، كما أنه يصور في أحيان كثيرة عقليته الواعية ودرايته بما يتعرض له من موضوعات.

وأهم الصعاب التي واجهتها في هذا البحث ما يتصل بآثاره التي لم يطبع جانب كبير منها ولم يصلنا جانب آخر، كما أن هذه الآثار ما بين مختصر ومطول ومتن وشرح ومنظوم وموشح ومقامة، فضلا عن تعدد ما يتناول منها موضوعا واحدا بحيث يخشى المرء من التباس الأمر عليه، كما أن بعض رسائله الصغيرة قد ضمنها في ثنايا كتبه الكبيرة إما تضمينا متميزا أو ممزوجا.

والنقطة الثانية أن الرجل قد غلب عليه الطابع النقلي الذي استلزم مني أن أبحث في دوافع سلوكه هذا المنهج، وأن أنظر في جملة من المصادر التي نقل عنها لكي أحدد منهجه في النقل وأصف أمانته.

<<  <   >  >>