للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ «١»، يقول:

«وأحسن هذه الألفاظ الخمسة هي الطّوفان والجراد والدم، فلما وردت هذه الألفاظ بجملتها قدّم منها لفظتا الطوفان والجراد، وأخّرت لفظة «الدّم» آخرا، وجعلت لفظة القمّل، والضّفادع في الوسط، ليطرق السّمع أولا الحسن من الألفاظ الخمسة، وينتهي إليه آخرا، ثمّ إنّ لفظة الدّم أحسن من لفظة الطّوفان والجراد، وأخفّ في الاستعمال، ومن أجل ذلك جيء بها آخرا» «٢».

[- إضافة الرافعي على ابن الأثير:]

لقد حاول الرافعي أن يكون واضح الحكم، لأنه يشير إلى المدود في الجراد والطّوفان، وقلّة الأحرف في «الدّم»، فاقترب من الجمالية الموضوعية، وقد اعتمد الرافعي على هذا التّحليل، وأضاف إليه لمسات صوتية من خلال تأمّله المحكوم بطبيعة التّركيب الداخلي للمفردة، إذ إنّه يلقي الضوء في شاهد ابن الأثير قائلا: «أخفّها في اللفظ «الطّوفان والجراد والدّم»، وأثقلها «القمّل والضّفادع» فقدّم «الطّوفان» لمكان المدّين فيها، حتى يأنس اللسان بخفّتها ثم الجراد، وفيها كذلك مدّ، ثمّ جاء باللفظين الشّديدين مبتدئا بأخفّهما في اللسان، وأبعدهما في الصوت، لمكان تلك الغنّة فيه، ثم جيء بلفظة «الدّم» آخرا، وهي أخفّ الخمسة، وأقلّها حروفا، ليسرع اللسان فيها، ويستقيم لها ذوق النّظم، ويتم بها هذا الإعجاز في التركيب» «٣».

ولعلّ ابن الأثير لم يصرّح بالعلّة هنا، لأنّه رفض مبدأ طول الكلمات وقصرها كما يرى ابن سنان، ونلاحظ هنا أن المفردة إسهام جزئي في إيقاع الآية كلها.

وتتبدّى مظاهر موضوعية في تأمل الرافعي من خلال ذكر المدود التي تقسّم الكلمات إلى مقاطع صغيرة خفيفة، وهذا ما يسمّى في العروض بالأوتاد، وكذلك من خلال ذكر الغنّة في كلمة «قمّل» ففيها إدغام بغنّة.


(١) سورة الأعراف، الآية: ١٣٣.
(٢) ابن الأثير، المثل السائر: ١/ ١٤٨.
(٣) الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن، ص/ ١٣٥.

<<  <   >  >>