للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤ - الحركات والمدود]

رأينا أن نذكر الكلام على جمال الحركة مع الكلام على جمال المدود لسببين:

الأول صوتي: لأن الحركة جزء من الصوت، والمدّ حركة طويلة، فالضّمّة صويت، أمّا الواو فهي صوت، وتعدّ ضمّة طويلة المدى.

والسبب الثاني: ضآلة المادة في التّراث وهذا لا يخصّ الحركة والمدود، إذ يتجاوز البنية الداخلية، ليشمل كلّ جوانب الجمال السمعي، وليس الأمر كالتشبيه مثلا، إذ يصادفنا في كلّ التراث البلاغي، ولعلّ السبب يتعيّن في احتياج هذا الفن إلى ذوق خاص، وتمحيص مصاحب بمعرفة لغوية صوتية، فالذين درسوا البنية الداخلية قلّة يعدّون على الأصابع، كما أن كثيرا من نظراتهم بحاجة إلى تصحيح وتوضيح، وتبدو غير مرضية من جهة التعليل.

إن القرآن الكريم هذا السّفر العظيم المعجز، أنزل بلغة العرب، فكان من المحتّم، ومن العناية الإلهية أن يشذّب المفردات، وأن ينتقي ما هو نافع، ويترك الزّبد، ولهذا تعيّن إعجازه في امتلاك المعنى في أجمل صورة، وكان لمن لا يفهم العربية قطعا موسيقية تمتاز بانسجام وترتيب للحركات، وبمدود كثيرة، وأكثر هذه المدود مدّ الألف، وهو سرّ الفصاحة كما قال الرافعي.

وهناك محطّات يقف عندها: أصيلة في الفواصل، وثانوية في الوقف والفواصل الداخلية، وهذه الآيات بالنسبة إلى العربي صورة موسيقية إن صحّ التعبير، فهو لا يمكن أن يفصل هذا النّغم المعبّر عن المشاهد التي ترسمها الكلمات بدقة بارعة، كما يضيف إلى تغنّي غير العربي بالمقاطع عذوبة الفهم والتصور، وفسحة الخيال عند كلمات لا تنحصر معانيها، والكلمات القرآنية كما يبدو للقارئ تكتنف معاني قرآنية لا توجد في العرف، ذلك لأن القائل خالق هذا الكون.

ومن يتمتع بذوق مؤطّر بالعلم، وبالموضوعية ينف أن توزيع الحركات في

<<  <   >  >>