للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- رأي الدّاني في الفاصلة:

والجدير بالذكر أن هناك تعريفا للفاصلة انفرد به أبو عمرو الدّاني «١»، إذ يرى أنّ الفاصلة هي كلمة آخر الجملة، وليس آخر الآية، كما هو متعارف عليه، وقد نقل الزركشي رأيه هذا، إذ يقول أبو عمرو: «أمّا الفاصلة فهي الكلام المنفصل مما بعده، والكلام المنفصل، قد يكون رأس آية، وغير رأس، وكذلك الفواصل يكنّ رءوس آي وغيرها، وكلّ رأس آية فاصلة، وليس كلّ فاصلة رأس آية، فالفاصلة تعمّ النّوعين، وتجمع الضربين، ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي يَوْمَ يَأْتِ «٢» وما كُنَّا نَبْغِ «٣»، وهما غير رأس آيتين بإجماع- مع وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ «٤»، وهو رأس آية باتّفاق» «٥».

وإذا كانت الفاصلة القرآنية قرينة السّجعة والقافية، فإنّ هذه الفواصل الداخلية تختلف برويّها عن الفاصلة في رأس الآية، ومما يفاد من نظرة أبي عمرو الدّاني أنّ الوقوف على رأس الجملة لتحديد الفاصلة يعدّ مظهرا آخر لتمكّن الكلمات من أماكنها.

ومما يفاد أيضا أنّ الوقوف الجائز على رأس الجملة لا يفقد القارئ شيئا من الترنيم الذي يكون في فاصلة رأس الآية، ويبدو مما اقتبسناه أنّ سيبويه ذكر هذا فقرن «يأت» مع «يسر».

ولم يناقش الزركشي هذا الرأي، وكأنّه ذكره لأجل استيفاء الآراء في تعريف الفاصلة، ونودّ أن نقف عند قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا


(١) هو عثمان بن سعيد، أحد حفّاظ الحديث، ومن الأئمة في علوم القرآن، من أهل «دانية» بالأندلس، توفي في بلده ٤٤٤ هـ، ومن كتبه: «اليسير» و «جامع البيان» و «طبقات القراء» انظر الأعلام: ٤/ ٣٠٦.
(٢) سورة هود، الآية: ١٠٥.
(٣) سورة الكهف، الآية: ٦٤.
(٤) سورة الفجر، الآية: ٤.
(٥) الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان: ١/ ٨٤، وانظر السيوطي، الإتقان:
٢/ ٢٠٩.

<<  <   >  >>