للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه تنبه إلى تنوع روي الفواصل، وهذا يتّضح في السور المكية التي كان هذا الرأي وغيره في زمنها، ولقد لمس التفاوت الكبير بين القرآن والشعر، وإن كان أقلّ تعمقا من الوليد.

حار العرب في أمر القرآن، وقد عجزوا عن معارضته، بماذا يواجهون هذا الإعجاز؟ فجعلوا القرآن شعرا، واتهموا النبي بالكهانة والسحر، وكل هذا يدل على اضطرابهم، وفقدان الموضوعية في اتهاماتهم، فالدقائق الفنية الموسيقية في القرآن تثبت وجودها، وتؤكد عجزهم، يقول دراز: «إن أول شيء أحسته الأذن العربية في نظم القرآن، هو ذلك النظام الصوتي الذي قسّمت فيه الحركة والسكون تقسيما منوعا يجدّد نشاط السامع لسماعه، ووزّعت في تضاعيفه حروف المدّ والغنّة توزيعا بالقسط يساعد على ترجيع الصوت به .. إلى أن يصل إلى الفاصلة، فيجد عندها راحته العظمى» «١».

[هذيان مسيلمة]

: خشي المشركون من صراحة الوليد وعمق نظرته، واستخفّوا بكلام مسيلمة الذي التفّ بعضهم حوله عصبية ونتيجة النّعرة الجاهلية، وما هو إلا التفاف قبلي غاشم، فقد عيّروا الوليد، إذ صبأ عن دينهم، فلم يجد له مخرجا لكي يحفظ ماء وجهه،- وهو ذو مكانة- إلا أن يؤكد عدم استطاعة العقل البشري وحده على قول القرآن، فما كان أمامه إلا أن ينسبه إلى السحر إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ «٢»، فهو بهذا الكلام يعترف بأن القرآن ليس كلاما معتادا.

وكان من وجوه إجمال القدامى ما يتجلّى في تكذيب مسيلمة، فقد أثبتت المصادر نتفا من هذيانه وتعلقه بالشكل، وفي هذا المجال يستثنى الخطّابي، فهو الوحيد الذي أطال الوقوف، ليحكّم منطق العربية بين القرآن، وما لهج به لسان مسيلمة، فهو يقول عن شروط المعارضة: «وسبيل من عارض صاحبه في خطبة أو شعر أن ينشئ له كلاما جديدا، ويحدث له معنى بديعا، فيجاريه في


(١) دراز، د. محمد عبد الله، ١٩٦٠، النبأ العظيم، ط/ ٢، مطبعة السعادة بمصر، ص/ ٩٧.
(٢) سورة المدثّر، الآية: ٢٤.

<<  <   >  >>