للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع الحديث المقلوب]

والحديث المقلوب نوعان: قلب في السند وقلب في المتن.

أما القلب في السند: فهو إبدال راو بآخر، سواء عن قصد أو عن غير قصد، سهواً أو عمداً، والعمد يشبه الوضع، لكن قد يكون العمد لقصد الإغراب، وهذا فيه تدليس، ويدخل في الكذب، كأن يكون الحديث قد اشتهر بين الناس من رواية سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله وأرضاه، فيأتي آخر يغرب على الناس، حتى يلتف حوله الناس ليرووه عنه، فيأتي بهذا الحديث من رواية نافع عن ابن عمر لا من رواية سالم عن ابن عمر، وهذا محرم بالإجماع.

مثال آخر: حديث عن عمرو بن دينار مشهور بين الناس، فيجعله عن عبد الله بن دينار، فهذا القلب في الإسناد.

والصورة الثانية من القلب في الإسناد: أن يبدل اسم الراوي باسم أبيه، فيقدم ويؤخر كأن يروي عن مرة بن كعب فيقول: عن كعب بن مرة، فهذا جعل الأب بدل الابن، أو يروي عن عيينة بن حصن فيقول: حصن بن عيينة، فهذا من باب القلب في الإسناد.

القسم الثاني: مقلوب المتن، وهذا أيضاً له صورتان: الصورة الأولى: أن يقدم الراوي في بعض متن الحديث ويؤخر، كحديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله) فهذا الحديث مقلوب، والصحيح في الحديث: (فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه).

مثال آخر: حديث أبي هريرة في النزول على الركبتين قال: (وليضع يديه قبل ركبتيه)، وابن القيم قال: هذا الحديث مقلوب على الراوي، والصحيح: (وليضع ركبتيه قبل يديه) وهذا يعتبر من المقلوب في المتن.

الصورة الثانية: أن يجعل الراوي متن الحديث لإسناد غير إسناد هذا الحديث، مثلاً يأخذ متن الحديث ويترك إسناده، ويأخذ إسناد حديث آخر فيركبه على هذا المتن، وهذا يقول عنه العلماء: يسرق الحديث.

وهذا من أنواع الجرح والتعديل، يعني يقال: فلان سارق للحديث، ومن صور سرقة الحديث أن يأخذ المتن الذي هو بإسناد فيركبه على إسناد آخر، ويأخذ إسناد الآخر ويركبه على المتن الآخر، كحديث عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر فيأخذ متنه فيجعله عن أبي صالح عن أبي هريرة، ويأخذ إسناد حديث أبي صالح عن أبي هريرة فيجعله عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر فيركب عليه المتن الثاني.

وأوضح مثل يضرب لهذا الباب هو قصة البخاري عندما ورد بغداد، فأراد جماعة من المحدثين أن يختبروه، فكل واحد منهم أخذ عشرة أحاديث، وقلب فيها المتن والإسناد، فكان كل واحد يسأل البخاري عن الحديث، فيقول: لا أعرف، لا أعرف، لا أعرف، حتى انتهوا، فقال: أما أنت فهذا المتن لهذا الإسناد.

وهذه القصة متكلم فيها لأن فيها انقطاعاً، قال ابن حجر: ليس العجب من أن يعرف البخاري أن هذه الأسانيد مقلوبة أو المتون غير مركبة، العجب كل العجب أن يحفظ كل إسناد ويحفظ كل متن ويرتبه على نفس الإسناد، ويأخذ المتن ويضعه على الإسناد!

<<  <  ج: ص:  >  >>