للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمثلة تطبيقية للحديث الحسن]

حديث يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفر بامرئ ادعى نسباً لا يعرفه أو جحده وإن دق).

هذا الحديث لا بد أن نبحث في شروطه قبل أن نحتج به وهي: اتصال السند، وضبط الرواة، والعدالة، وعدم الشذوذ والعلة.

أما اتصال السند فلا يوجد راو مدلس، فإن لم يكن الراوي مدلساً وعنعن أو حدث فهما سواء، فهل يعكر علينا أن يأتي الشافعي ويقول: عن مالك، ومالك يقول: عن نافع، ونافع يقول: عن ابن عمر؟ هل تعكر علينا العنعنة هنا ونقول: أين الاتصال؟ فالعنعنة تعكر علينا إن كانت من مدلس، وهؤلاء غير مدلسين.

إذاً: الشرط الأول توفر، وهو اتصال السند.

الشرط الثاني: العدالة، بفضل الله كل هؤلاء عدول لا مطعن في واحد من الرواة، وسلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف فيها العلماء، فـ ابن القطان يضعف هذه السلسلة ويقول: شعيب ما سمع من جده وهي صحيفة كان يروي منها، لكن قد أثبت له السماع غير واحد من علماء الحديث، والمثبت مقدم على النافي، فأثبت سماعه أحمد وغيره، فنقول: كل هؤلاء عدول.

الشرط الثالث: الضبط، يحيى بن سعيد هذا جبل ثقة ثبت، وعمرو بن شعيب متكلم في ضبطه، قال فيه الحافظ: صدوق، وأبوه ثقة، وجده صحابي، والصحابي لا نقول فيه ثقة وغير ثقة، لأن الصحابة كلهم عدول؛ والجد هنا هو عبد الله بن عمرو بن العاص.

فعندنا راو ضبطه خفيف، وهو عمرو بن شعيب، والباقي ثقات.

الشرط الرابع والخامس: عدم الشذوذ والعلة، هذا الحديث لم يقل فيه أحد بالشذوذ ولا فيه أي علة.

إذاً: الشروط الخمسة كلها قد توافرت، فنحكم على الحديث بأنه حديث حسن؛ لأن أحد الرواة نزل من درجة تمام الضبط إلى خفيف الضبط.

المثال الثاني: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

محمد بن عمرو خفيف الضبط، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ثقة ثبت، من الفقهاء السبعة، وأبو هريرة صحابي، فهل توافرت الشروط؟ أولاً: اتصال السند تحقق، فلا يوجد مدلس، والعنعنة هنا كالتحديث.

ثانياً: كلهم عدول.

ثالثاً: أبو سلمة تام الضبط، وأبو هريرة لا يتكلم عنه، ومحمد بن عمرو خفيف الضبط، فإذا كان خفيف الضبط نزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن، فهذا الحديث حديث حسن.

المثال الثالث: قال الترمذي: حدثنا علي بن عيسى بن يونس عن مجالد - وهو مجالد بن سعيد - عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال: (كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهرقه، فقلت: إنه ليتيم، فقال: أهرقه)، هو استشار النبي أن يبيع هذا الخمر حتى لا يضيع مال اليتيم فقال: (أهرقه)؛ لأنه محرم، ولا ضرورة هنا لإباحته.

قال: الترمذي: هذا حديث حسن.

وهو يقصد أنه حسن لغيره، ولا يمكن أن يقصد أنه حسن لذاته، فهذا مثال للحديث الضعيف الذي ارتقى إلى الحسن لغيره، لأنك إذا نظرت إلى رجال الإسناد تجدهم ثقات، وتجد التحديث موجوداً، والشذوذ غير موجود، والعلة الخفية غير موجودة، لكن العلة الظاهرة موجودة، وهي مجالد بن سعيد، فقد ضعفة العلماء.

فهذا حديث إسناده ضعيف، لكن جاء من طريق آخر فارتقى من الضعف إلى الحسن، فهذا مثال للحديث الحسن لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>