للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحكام الحائض في الحج والعمرة]

أيضاً من الأحكام التي تتعلق بالمرأة حال حيضها: الحج والعمرة، هذه المناسك العظيمة التي فرضها الله على عباده.

فالمرأة إذا منَّ الله عليها بالحج أو بالعمرة، فحاضت كما (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وأرضاها فوجدها تبكي، فقال لها: أضحكت؟ فعلم منها أنها قد نزل بها الحيض، فقال: هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم).

فسهل عليها الأمر، وبين لها أحكامها في الحج.

فالمرأة الحائض يجب عليها أن تؤدي كل المناسك التي يؤديها الحاج، ولا تنقص منها شيئاً، فتغتسل عند الميقات للإحرام؛ لأن الغسل سنة الإحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع المرأة الحائض من هذا الاغتسال، فقد أمر أسماء بنت عميس بعدما ولدت وهي في ذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر وتهل، فتقول: لبيك اللهم بحجة، أو لبيك اللهم بعمرة متمتعة بها إلى حجة.

وهذا الغسل نيته التنظف للإحرام، أو نيته التعبد؛ لأنه سنة للإحرام، ثم تلبي كما يلبي الحاج، لا فرق بينها وبين الحاج، وتؤدي المناسك جميعاً، فتقف بعرفة مع الناس، وتذكر الله جل في علاه، وتدعو وتتضرع حال حيضها، لعل الله يتقبلها في الصالحات القانتات في هذا اليوم العظيم، وتبيت بمزدلفة كما يبيت الحاج، ولا يشترط في الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة الطهارة.

وأيضاً: تبيت بمنى في ليالي منى، وترمي الجمار؛ لأن كل ذلك لا يحتاج إلى طهارة، وتسعى بين الصفا والمروة، وتقدم السعي وتأخر الطواف؛ لرفع الحرج عنها، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له رجل: سهوت أو نسيت فطفت قبل أن أسعى، أو حلقت قبل أن أطوف، أو سعيت قبل أن أطوف.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، فما أحد قدم شيئاً أو أخر إلا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج)، فلها أن تقدم السعي بين الصفا والمروة إذا علمت أنها تطهر في آخر النهار؛ لأن هذا هو الأولى والأحوط، وإذا ظهرت لها علامات الطهر، مثل أن تنزل منها الصفرة والكدرة، وقد اعتادت أنه لو نزلت الصفرة والكدرة فإنها تطهر بعد ساعة أو ساعتين، فإنها تسعى بين الصفا والمروة، ثم بعد أن تطهر تغتسل وتطوف بالبيت.

إذاً: المرأة الحائض في الحج لا يحرم عليها شيء قط يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري).

فشرط النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة الحائض: ألا تطوف بالبيت، وألا تدخل المسجد الحرام.

كما أنه قد خفف عن الحائض في المناسك، فقد أسقط عنها الشرع طواف الوداع تخفيفاً، وإن كان واجباً على كل حال، إلا أن الشرع الحنيف راعى حال حيضها، فقد جاء في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت طواف الوداع، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض).

وقد نازع زيد بن ثابت ابن عباس في هذه المسألة، فكان يفتي: بأن المرأة الحائض تبقى حتى تطهر، فتطوف طواف الوداع.

فبين له ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة الحائض في ذلك، فرجع لقول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.

وأيضاً: (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنفرة، قالوا: إن صفية حاضت.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتحبسنا هي؟ قالوا: إنها قد فاضت -يعني: طافت طواف الإفاضة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتنفر إذاً) بمعني: أنها تسير؛ لأنه قد سقط عنها طواف الوداع حال حيضها؛ هذه ملخص أحكام المرأة في الحج حال حيضها.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>