للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول الثاني في معنى القرء وأدلتهم]

وأما الأحناف وهي رواية عن أحمد فقالوا: القرء هو الحيض، والعدة تحسب بالحيض، وقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨] أي: ثلاث حيض، حيضة ثم حيضة، ثم حيضة، واستدلوا على ذلك أيضاً بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقالوا: قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قالوا: ثلاثة قروء لا بد لزاماً أن تكون ثلاث حيض؛ لأننا لو قلنا بالأطهار فإن الطهر الذي طلقها فيه سيحسب، فلو أن امرأة في الشهر الثالث كانت على طهر فطلقها زوجها، فحتى نحسب العدة بالأطهار فسيمر عليها نصف الطهر الأول، ثم طهر ثاني، ثم طهر ثالث، فلا تكون ثلاثة أطهار كاملة.

قالوا: إذاً: لا تنضبط الثلاثة القروء إلا بالحيض؛ لأنه من السنة أن يطلقها في الطهر، ثم إذا عدت هذا الطهر فتحسب حيضة، ثم حيضة، ثم حيضة ثالثة، فهي ثلاث حيض كوامل، فقالوا: ظاهر الآية معنا؛ لأن حساب العدة بالأطهار يجعلهن اثنين وبعض الطهر الثالث، وليس ثلاث كوامل، لكن الحيض ثلاث حيض كوامل.

الدليل الثاني من السنة: قالوا: ورد حديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان)، ووجه الشاهد فيه: (وعدتها حيضتان)، وهذه دلالة واضحة جداً على أن القرء هو الحيض، لكن هذا الحديث في سنده ضعف، فقد رواه البيهقي عن ابن عمر موقوفاً، أي: أنه قد صح موقوفاً وضعف مرفوعاً، فيكون لهم حجة بأنه قول لـ ابن عمر، يقابله قول لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلو قلنا بالمرجحات فلا يوجد مرجح إلا قول عائشة وقول ابن عمر، فنرجع إلى قول عائشة؛ لأنها صاحبة الأمر، وهذه مسألة تخص النساء.

لكن جاء الحديث الذي فصل في النزاع بسند صحيح في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعي الصلاة أيام أقرائكِ).

وبالاتفاق أنها تدع الصلاة أيام حيضها، فهذه دلالة كبيرة جداً على أن القرء بمعنى: الحيض؛ لأنه بالإجماع أنه تدع الصلاة أيام الحيض.

وأيضاً في رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي) أي: تطهري من القرء الذي هو الحيض، فسمى القرء حيضاً، ونحن ندور مع الشرع حيث دار، وإن كانت أدلة الفريق الأول من النظر قوية، لكنا نقول: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه فقد جاء النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعي الصلاة أيام أقرائكِ) أي: أيام حيضكِ، فهذا تفسير بليغ من النبي صلى الله عليه وسلم، يبين لنا بأن العدة هي القرء، والقرء هو الحيض، فيصير معنى قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨] أي: ثلاث حيض.

<<  <  ج: ص:  >  >>