للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بدعة تقديم العقل على النقل وواجب العلماء والدعاة تجاهها]

لقد ظهرت شمس البدعة وبزغت ولا متصدٍ لها؛ فطلبة العلم في ندرة وفي عزة وما يتكلم إلا الرويبضات، فظهرت شبهة تقديم العقل على النقل، فقد ظهر في عصرنا من يطعن في البخاري ومسلم ومن يتهم الإمام أحمد بأن فكره سطحي، ولكل مؤمن أن يتأمل هذه الحرب على الجبال الرواسي؛ لا لشيء إلا لأن الأحاديث تخالف أهواءهم، ولو سئلوا لِمَ لم يقبلوا الحديث الذي فيه أن موسى فقأ عين ملك الموت؟ مع أن هذا الحديث في صحيحي البخاري ومسلم وهما أصح الكتب بعد كتاب الله، لقال هؤلاء: لقد رددنا هذا الحديث لأكثر من علة: العلة الأولى: أن موسى لا يمكن أن يفقأ عين الملك؛ لأن الملك بصيحة واحدة يهدم قرية كاملة، وبجناح واحد يهدم قرية كاملة، كما أن طوله من السماء إلى الأرض فكيف يفقأ عينه موسى؟ العلة الثانية: أن هذا تفسير سطحي جداً، كيف لا يرضى موسى بلقاء الله جل في علاه؟ فهذه شبه ترد بها الأحاديث التي ثبتت ثبوت الجبال الرواسي، هذا الفكر فكر المعتزلة، وإن لم يعرف الناس أن فكرهم فكر الاعتزال، لكن والله ما يفعلون وما يقولون هو فكر الاعتزال؛ ولذلك قال قائلهم: لو رأى البخاري ما تفعل تاتشر ما قال هذا الحديث! وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة) فهو يرد حديث البخاري بهذه المقولة السخيفة، يغفر الله لنا وله، وما منا من أحد معصوم، فالمعصوم من عصمه الله وكلنا ذو جهل وذو خطأ، لكننا نقول: المخطئ الذي يتصدى لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن يرجع إلى الصواب، فإن أصر على ذلك فلا بد من تحذير الناس مما هو فيه، وهذا الذي قال ذلك قد مات رحمة الله عليه، وأسأل الله أن يتغمده في رحماته، وكفى ببشريات الخير له أنه تمنى الموت في المدينة فأجاب الله له هذه الأمنية ومات في المدينة، وكفى فخراً أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن أفضل الموتات هي الموتة في البلاد المقدسة، حفظ الله مكة والمدينة وسائر بلاد المسلمين من كل شر، لكن لا بد أن نحارب من أجل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد لزاماً أن نقول: الشيخ الغزالي حبيب إلينا، ولكن الحق أحب إلينا منه، فأفراخ الشيخ الغزالي رحمة الله عليه في هذا الزمن موجودة بكثرة، وهو صاحب قاعدة التسهيل على الناس كثيراً، ولا بد أن يعلم أن في فكره اعتزالاً وتمييعاً للعقيدة؛ لأنه لم يكن ضابطاً لأمر العقيدة.

حتى الفتاوى التي أفتى بها مؤخراً كلها فتاوى لا يؤخذ بها؛ لأنها ستضيع الأمة وتجعلهم يتخبطون خبط عشواء، ولذا لا بد أن يعلم أن الذي جاء به وأصحابه ما جاء إلا بسبب تقديم العقل على النقل؛ ولذلك سنجد عند الحديث عن أشراط الساعة أنهم يرفضون رفضاً تاماً حياة المسيح الدجال، ويقولون: إن الدجال ليس موجوداً حتى الآن، ولو سألتهم عن ذلك لقالوا: الأقمار الصناعية منتشرة، والنظر الدقيق بالتكنولوجيا لم يبين شيئاً حتى الآن، كما أن الأقمار الصناعية أظهرت كل دقيق وجليل في الأرض، ولم تظهر لنا الدجال.

فتجدهم يعارضون السنن بهذه النظريات العلمية التي تخطئ وتصيب، والجبال الرواسي من السنن تهدم أمام هذه النظريات، فهؤلاء الأفراخ أصحاب الفكر الاعتزالي لا يعلمون للسنة احتراماً ولا تقديراً، وأفعالهم تدل على هذا، ونحن لا نلزم المرء بلازم فعله، ولكنني أحذر فقط من هؤلاء، ومن السماع لهم، أو السماع لفتاواهم؛ فإنهم ردوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتجرءوا على البخاري وأحمد ومسلم وقالوا عنهم: إن نظر هؤلاء سطحي!!

<<  <  ج: ص:  >  >>