للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على المذاهب الأربعة وبيان أقربها للسنة]

ثم ختم الباب بالكلام على المذاهب الأربعة المشهورة -وهذه المسألة مهمة جداً- فهل يجوز الخروج بالقول أو الفعل عن المذاهب الأربعة؟

و

الجواب

أن يقال: إن هذه مسألة عويصة بين العلماء، والراجح: أن الإنسان إذا ظهر له من دليل النبي صلى الله عليه وسلم أمر وجب عليه الأخذ به ويضرب بكلام كل الناس عرض الحائط؛ لأن العلم ما قال الله وقال رسوله.

فالمذهب الأول: مذهب الحنفية، وإمامه أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام أهل العراق، ولد سنة ٨٠ هـ وتوفي سنة ١٥٠هـ، وقد قال عنه الشافعي بعد أن نظر في كتبه وتعلم من تلاميذه كـ الشيباني وأبي يوسف: الفقهاء عيال على أبي حنيفة؛ وهذا لشدة ذكائه وتوقد ذهنه فقد كان قايساً بديعاً، حتى إن الإمام مالكاً يقول فيه: لو ناظر أبو حنيفة رجلاً على أن هذا العمود من ذهب -وهو من الخشب- لأقنعه أنه من الذهب، لشدة ذكائه وحسن مناظرته، لكن يؤخذ على المذهب الحنفي أنه بعيد عن السنة، فهو أبعد المذاهب الثلاثة عن السنة، وهذا ليس نفرة من السنة، فلم يكدر أبو حنيفة مذهبه بالقياسات الكثيرة دون الآثار إلا لعلة وجيهة؛ لأن أبا حنيفة كان في العراق، والعراق والعراقيون أهل شقاق ونفاق وكذب؛ ولذلك أخذ الشيعة يكذبون على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما رأى أبو حنيفة أن أهل العراق يندر فيهم الثقة الذي يؤخذ منه الحديث بدون شك فيه نحى هذه الأحاديث لضعفها، وأعمل فيهم القياس على الأصول الثابتة عنده، وأيضاً فقد كانت المستجدات تظهر في العراق لقربها من بلد فارس، فلعدم ورود أدلة ونصوص فيها كان لا بد من إعمال العقل والقياس حتى يظهروا حكماً في هذه المسائل.

المذهب الثاني: المذهب المالكي، ورأسه وإمامه هو أبو عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة، ولد سنة ٩٣ هجرية وتوفي سنة ١٧٩هـ، قال عنه الشافعي: إذا ذكر الحديث فـ مالك النجم، وهو إمام دار الهجرة الذي خلط بين الفقه وبين الحديث، ومذهبه من القوة بمكان.

المذهب الثالث: المذهب الشافعي، وإمامه أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ولد سنة ١٥٠هـ وتوفي سنة ٢٠٤هـ، قال فيه الإمام أحمد: الشافعي للناس كالشمس للدنيا، وهل هناك خلف عن الشمس؟! قال: والشافعي للناس كالعافية للبدن.

وفي الحقيقة فـ الشافعي من أمتن وأتقن وأحفظ وأثبت علماء المذاهب، وقد قال عنه أحمد شاكر: لو أمرت مجتهداً أن يقلد مجتهداً مع أن التقليد حرام، لأمرته أن يقلد الشافعي؛ لأنه عالم نحرير له دقة في النظر، أو كما قال رحمه الله.

أما المذهب الرابع: فهو المذهب الحنبلي، وهو أقرب المذاهب للسنة؛ ولذلك فقد تحير العلماء في أيهما أقرب للسنة؟ والصحيح الراجح الذي أتبناه وأدين الله به: أن المذهب الشافعي هو أقرب المذاهب للسنة؛ لأن أكثر علماء الشافعية من المحدثين الذين خلطوا بين الفقه وبين الحديث؛ ولذلك فقد سأل أبو إسحاق الشيخ الألباني بأي المذاهب يبدأ؟ فقال: ابدأ بالكتاب والسنة فهذا هو العلم، فقال: بأنه يريد أن يتمرس أولاً وعلمياً على مذهب معين، وهذا الذي نصح به الشيخ أحمد شاكر الأمة: أنه على طالب العلم أن يبدأ بمذهب معين فيعرف أصوله وكيفية استقاء الأحكام من الأدلة، ثم بعد ذلك ينطلق في علم الحديث؛ لأن هذا المذهب لا يخلو من السنة.

فقال الإمام الألباني: إن كان لا بد فالمذهب الشافعي أو المذهب الحنبلي، ففضل البدء بالمذهب الشافعي، ولما سئل عن ذلك قال: أكثر علماء الشافعية محدثون.

فالشاهد: أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل من أقوى المذاهب وأقربها إلى السنة، وكفاه فخراً ما قاله يحيى بن معين فيه لما سئل عنه فقال: أحمد يسأل عنه؟ أحمد إمام الدنيا بأسرها، وقال بعضهم: إن الله نصر هذا الدين بـ أبي بكر في الفتنة، وبـ أحمد في المحنة، أي: محنة القول بخلق القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>