للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضل أبي بكر وعمر]

أما ترتيب الأفضلية: فـ أبو بكر هو أفضل هذه الأمة بالإجماع، وقد بين الله أن أبا بكر أفضل هذه الأمة فكلمه وخاطبه تعظيماً له وهو الفرد العبد المربوب، يقول الله جل في علاه: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُلِي القُرْبَى} [النور:٢٢] إلى آخر الآيات، فقد اتفق المفسرون أن هذا خطاب خاص بـ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فالله جل في علاه بجبروته وهو فوق عرشه يخاطب أبا بكر بالتعظيم والتبجيل والتكريم ويقول: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور:٢٢] وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (سدوا عني كل خوخة إلا خوخة أبي بكر، كذبتموني وصدقني، وواساني بأهله وماله) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كنت متخذاً منكم خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن).

إذاً: أبو بكر بالاتفاق هو خير هذه الأمة، وخير الناس بعد الأنبياء؛ ولذلك في سقيفة بني ساعدة كان أبو عبيدة بن الجراح مع عمر بن الخطاب، فقام أبو عبيدة فقال: يا عمر! ابسط يدك لأبايعك، فقام عمر بن الخطاب كأنه كالأسد الثائر فقال: تقول ذلك لي وفيكم أبو بكر؟ لأن يضربوا عنقي خير لي من أن أتقدم على أبي بكر رضي الله عنه، أو أتأمر على أناس فيهم أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه.

وقال عبد الرحمن بن عوف كما روي عنه بسند صحيح: ما سبق أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه.

وخلافة أبي بكر رضي الله عنه مشهورة متفق عليها، إلا أن العلماء اختلفوا: هل كانت خلافته بنص من النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، أم كانت بالإشارة؟ والصحيح الراجح أنها إشارة تنزل منزلة النص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائتوني بكتاب أكتب كتاباً لا يطمع طامع أو يقول قائل: أنا أولى)، ثم قال: (يأبى الله ويأبى رسوله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر)، فهذه دلالة على أنهم يأبون أن يتقدم أحد على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

والذين قالوا: إنها بالإشارة قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وضعه إماماً للناس في الصلاة، فرضيه إماماً لصلاتنا أفلا يرضاه لدنيانا؟! فاستنبطوها بقياس الأولى أو القياس الجلي، وهذا الذي جعل بعضهم يقول: إنها منصوص عليها.

إذاً: فالصحيح الراجح أنها إشارة، وأن استخلاف أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كان من أهل الحل والعقد، وهذا النص الذي قاله عمر بن الخطاب فاصل في النزاع، حيث قال: لأن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني -يقصد أبا بكر - وإن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني ومن أبي بكر، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف؛ لأنه أشار للناس إشارة واضحة لا تحتاج لإمعان نظر على أن أبا بكر هو الذي يستحق هذه الخلافة، وكأن القدر ظهر لرسول الله فقال: (لا، يأبى الله ويأبى رسوله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر) رضي الله عنه وأرضاه.

فـ أبو بكر هو الخليفة بعد رسول الله؛ ولذلك لقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعده عمر بن الخطاب، فهو بالاتفاق، وبلا منازعة أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر، ولا سيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إذا سلكت فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجك) رضي الله عنه وأرضاه، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان في الأمة ملهم لكان عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وأرضاه، وهناك رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)، وهي رواية صحيحة، صححها الشيخ الألباني، ورواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كان في هذه الأمة محدث لكان عمر).

<<  <  ج: ص:  >  >>