للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات المعنى للصفات مع تفويض الكيفية]

قال المصنف رحمه الله: [قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا)، و (إن الله يرى يوم القيامة)، وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها ونصدق بها بلا كيف ولا معنى].

وقول المصنف رحمه الله تعالى: [وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً].

هذا الكلام لا يصح، ويرد على المصنف مع حسن الظن به، فإنه لم يقصد التفويض، والتفويض عندنا تفويضان: تفويض للكيفية، وتفويض للمعنى، وأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية فيقولون: لله يد لكنا لا نعلم كيفية يد الله جل في علاه، فهذا تفويض للكيفية.

وأما تفويض المعنى فكتفويض معنى اليد، فاليد للبطش وغيره، هذا المعنى المعلوم، فمن فوض معنى اليد فقال: لا يعلم معناها، فإنه يدخل بذلك في قسم أهل البدع والضلال الذين يفوضون الكيفية والمعنى، ويقولون: لا نعلم عن اليد إلا تقارب الياء مع الدال، والمصنف رحمه الله من أهل السنة الجماعة ولا يمكن أن يقصد ذلك، إنما يقصد أن اللفظ المشكل الذي لا يعرف حقيقة معناه يفوض معناه؛ لأن اللفظ ينقسم إلى محكم ومتشابه، ويرد المتشابه للمحكم ليظهر المعنى.

فمثلاً: قال الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:١] وقال الله تعالى: (الم) [البقرة:١] وقال: {كهيعص} [مريم:١] كل هذه حروف، والراجح عند أهل العلم أنها من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله، فهذا هو تفويض المعنى لله سبحانه وتعالى؛ لأنه الذي يعلم معناها، إذاً: هو يقصد عدم التعرض للمعنى في المتشابه الذي لم يظهر معناه.

ومذهب الإمام أحمد التسليم لصفات الله، ولذلك قال: أعتقد أن ربي ينزل نزولاً حقيقياً يليق بجلاله وكماله، بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، فمن قال: هل يخلو العرش أو لا يخلو؟ نتوقف على ذلك، وكذلك في رؤية المؤمنين لله يوم القيامة.

ويقول: ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه.

فعندما نقول: ينزل، لا نقول: ينزل ويخلو منه العرش أو يبقى معه العرش، أو يكون فوق وهو نازل، أو السماء تقله أو تظله حاشا لله؛ فإنه ينزل نزولاً يليق بجلاله؛ فمن قال: السماء الدنيا تقله، والسماء الثانية تظله، فقد كيف صفات الله، وحاشا لله أن نقول ذلك، فهو ينزل نزولاً لا نعلم كيفيته، نزولاً يليق بجلاله وكماله.

وإذا كان الكون كله في يد الرحمن كحبة خردل في يد أحدنا، فلك أن تعلم أن صفات الكمال لله جل وعلا لا يمكن للإنسان أن يصل إليها.

ثم نقل كلاماً نفيساً للإمام الشافعي وهو أنه قال: [آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم].

<<  <  ج: ص:  >  >>