للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترغيب في السنة]

والسنة محثوث عليها والبدعة مذمومة ديناً وشرعاً وعقلاً وفطرةً، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب:٢١] فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فلا بد أن يثبت حسن طريقته بالسير على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أبدع وما أحسن ما قال الحسن: زعم أناس حب رسول الله -وأنا أكرر هذا على النساء؛ لأن فيهن عوجاً فإذا قيل لهن: قال رسول الله، قلن: قال فلان وقال علان، وهذا عوج ليس بعده عوج، ولولا أن الجهل متقدم على القائل لقلنا بكفره، فليس لأحد أن يرد قول الله جل في علاه أو قول رسول الله لقول أحد كائناً من كان، وقد قال مالك رحمه الله: إن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وكان أبو حنيفة -الذي قال فيه الشافعي: الفقهاء عيال على أبي حنيفة - يقول: إن وجدتم قولي عارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط وخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.

فالصحيح أن نقول: إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن لأحد أن يعارضها، وأنا أؤكد هذا على النساء حتى لا يعارضن قول رسول الله بقول أحد كائناً من كان.

يقول الحسن البصري: زعم أقوام حب الله فامتحنهم باتباع طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال جل في علاه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:٣١ - ٣٢]، ثم قال: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:٣٢] معنى ذلك: أن الإنسان إذا تنكب صراط النبي صلى الله عليه وسلم ورجع القهقرى فإنه على طريق الهلكة، فمعصية النبي صلى الله عليه وسلم بريد الكفر، خاصةً إن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ثم عارضه بأقوال الناس.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى -فعجب الصحابة- قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) ومن باب أولى: من ضرب بقولي عرض الحائط لقول أحد فقد أبى، فقد قال الله تعالى مبيناً طريق أهل البدعة والضلالة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥] وقال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠] وقال جل في علاه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من البدعة وحثنا على امتثال طريقته بقوله كما في السنن عن العرباض بن سارية بسند صحيح وهو في المسند قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً) فالاختلاف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير؛ ولذلك نقول: إذا أرادت الأمة أن تكشف عنها هذه الكربة، وأن تنهض مرة أخرى كالطود الشامخ، فلابد أن ترجع إلى الرعيل الأول، وكما قال الإمام مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، فلا بد من الرجوع إلى الرعيل الأول.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن يعيش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) فالنبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن النجاة كل النجاة في التمسك بسنته وسنة خلفائه الراشدين، وفي السنن أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) ما قال: كتاب الله فقط حتى لا تكون قرآنياً، ولكن قال: كتاب الله وسنتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>