للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على المنكرين لصفة اليد]

وأما أهل البدعة فقالوا: قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] وقول الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] وقول الله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:٧١] اليد هنا بمعنى النعمة، قالوا: وعندنا في ذلك دليل، ففي صلح الحديبية عندما قال عروة لرسول الله: ما أرى حولك إلا أوباشاً -أو أشواباً- من الناس سيفرون عنك عما قريب، فقال أبو بكر: امصص بضر اللات! نحن نفر عن رسول الله؟! فكانت هذه مسبة شديدة عليه، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو بكر، فقال: لولا يد لك عندي لم أكافئك بها لرددت عليك، أي: لولا نعمة أكرمتني بها لم أردها إليك.

وقالوا: اليد معناها: القدرة، والدليل على ذلك أنك إذا قلت: ضرب على الأمة بيد من حديد، كان فيه دلالة على القدرة والقوة، فقالوا لنا: في اللغة مساغ، فيد الله فوق أيديهم، أي: قدرة الله فوق أيديهم، فنقول لهم: لقد خالفتم ظاهر القرآن، وظاهر السنة، وإجماع الصحابة، فالله يقول: {يَدُ اللَّهِ} [الفتح:١٠] وأنتم تقولون: نعمة الله، فأنتم تقدحون في بيان الله، وقد قال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا} [النحل:٨٩] وهذا تبيان يدل على أن اليد يد حقيقية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يمين الله ملأى) وقال: (كلتا يدي ربي يمين) فقد أثبت لله اليد وأنتم تنفونها، ويلزم من ذلك القدح في بلاغ رسول الله، ثم خالفتم الإجماع، ومخالف الإجماع مبتدع.

القاعدة الرابعة التي نرد عليهم بها أن نقول: يلزم إذا أولنا أو حرفنا اليد إلى النعمة أو القدرة لوازم باطلة: أولها: أننا سنجزئ قدرة الله، وسنقول: (بيدي) أي: بقدرتي، وهذا لا يقوله عاقل، فإن قدرة الله عامة وشاملة لكل شيء.

ثانيها: أنه يلزم من ذلك أن نقول: (يد الله فوق أيديهم) أي: نعمة الله فوق أيديهم، ويلزم من ذلك نقول: (لما خلقت بيدي) أي: لما خلقت بنعمتي وهل هما نعمتان فقط، أم أن نعائم الله لا تعد ولا تحصى؟ فهذه من اللوازم الباطلة.

ومن اللوازم الباطلة: أنهم سيجعلون لإبليس على الله حجة، وكأن الأشاعرة يعلمون الشيطان كيف يتشيطن، فقد أمره الله أن يسجد لآدم فاعترض على ربه وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢] فرد الله عليه بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، وكأن الله يقول له: إن فضل آدم عليك أنني باشرت خلقه بيدي وأنت خلقتك بالقدرة وبالنعمة، قال له كن فيكون، فلو كان المراد باليد النعمة والقدرة لقال الشيطان لربه: يا رب! أنت لم تخلق آدم بيدك، ولم تشرفه بمباشرة اليد، وإذا خلقته بنعمتك أو بقدرتك فقد خلقتني بقدرتك، وخلقت الكون كله بقدرتك، فلا فضل لآدم علي.

<<  <  ج: ص:  >  >>