للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة الكتاب على رؤية الله يوم القيامة]

والأدلة كثيرة جداً على رؤية الله يوم القيامة، وهذه الأدلة من الكتاب ومن السنة ومن النظر.

فأما الأدلة من الكتاب فدلالات كثيرة، منها قول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] فهذه النضرة في الوجوه لأمر ولعلة؛ وهي أنها لربها ناظرة.

والفعل (نظر) يتعدى بنفسه، ويتعدى بفي، ويتعدى بإلى.

فإذا تعدى بنفسه فيكون بمعنى: الانتظار.

وذلك كقول الله تعالى عن المنافقين عندما يعبر أهل الإيمان الصراط فيقف المنافقون ويقولون: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣].

فـ (انْظُرُونَا) بمعنى: انظروا إلينا أو انتظرونا حتى نستنير بهذه الأنوار، وهذه غير مرادة هنا.

ويتعدى بفي ويكون بمعنى: الرؤية القلبية، أو التدبر في مخلوقات الله، كما قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:١٨٥].

فقوله: {يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ} [الأعراف:١٨٥] يعني: ألا يتدبرون في عظيم خلق الله، ليعلموا عظمة ربهم جل في علاه، فتزداد الرهبة في قلوبهم والرغبة والرجاء في الله جل في علاه.

ويتعدى بإلى ويكون معناه بالاتفاق: الرؤية البصرية.

وذكرنا الاتفاق لأن أهل البدعة قد يقولون: هو الانتظار، أو يقولون: هو التدبر في نعائم الله وثواب الله.

فقال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] أي: تنظر إلى الله بهذه الأعين، كما قال تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:٢٢]، أي: حتى يستطيع أن ينظر إلى وجه الله الكريم الذي لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

الدليل الثاني من الكتاب: قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] والقاعدة عند أهل التفسير: أن أفضل التفسير تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم باللغة.

وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الآية إلا وقد فسرها، وهذا أفضل التفسير فقال في قول الله تعالى: (((للذين أحسنوا الحسنى وزيادة))، قال: الزيادة: النظر إلى وجه الله).

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال لهم ربهم: تريدون شيئاً؟ فيقولون: ألم تكن أكرمتنا وأدخلتنا الجنة؟ فيقول: لكم عندنا شيء، -أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فيكشف الحجاب، فما تنعموا بنعمة مثل هذه النعمة) وهي نعمة النظر إلى وجه الله الكريم.

الدليل الثالث: من الأدلة على رؤية الله يوم القيامة من الكتاب: قول الله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥].

فقال أبو هريرة، وأنس، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود قول الله تعالى: (لهم ما يشاءون فيها) أي: من الحور العين، ومن الأنهار، ومن اللبن، والخمر، والعسل.

وقالوا في قوله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥]: إنها النظر إلى وجه الله الكريم.

رزقنا الله وإياكم النظر إلى وجه الله الكريم يوم القيامة.

الدليل الرابع: قول الله تعالى في سورة الإنسان: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:٢٣ - ٢٤]، فنضرة النعيم حصلت لهم لأنهم ينظرون إلى وجه ربهم.

والقاعدة عند العلماء: نفي المعمول يؤذن بالعموم، فحذف مفعول ينظرون أشعرت بالعموم، أي: ينظرون إلى الحور العين وإلى الجنات والنهر وإلى الخمر وإلى اللبن وإلى العسل، وينظرون إلى وجوه بعضهم البعض، وينظرون إلى وجه الله.

فهم ينظرون بالعموم، فنفي المعمول يؤذن بالعموم.

وهذا فيه دلالة على أنهم ينظرون إلى وجه الله الكريم.

رزقنا الله وإياكم ذلك.

خامساً: قول الله تعالى عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥].

قال الإمام الشافعي رحمه الله: لما حجب هؤلاء في الغضب، كان لهؤلاء في الرضا النظر إلى وجه الله الكريم.

وهذا ظاهر جداً؛ لأن الله اشتد غضبه عليهم فلم يروا وجه الله الكريم، فكانت المكافأة للذين تذللوا له وأطاعوه أنهم ينظرون إلى وجهه الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>