للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[امتناع الإجابة إلى الفراش]

إن الله تعالى يبين نشوز المرأة، ويبين أنه ما كان للمرأة أن تفعل ذلك وقد علمت حق الزوج العظيم عليها، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:٣٤] إلى آخر الآيتين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم -مبيناً حق الزوج على الزوجة-: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها).

وأول لون من النشوز: هو عدم طاعة الزوج في فراشه، فإن أرادها لفراشه تمتنع، إما لإساءة خلقه، أو لأنه لم يقدم خيراً، أو لأنها كانت حزينة، أو مرهقة، أو عندها علل، لكن المرأة إذا طلبها زوجها للفراش وامتنعت فهي ناشز، وحكم الناشز أنها لا ينفق عليها؛ لأنها عصت الله جل في علاه، وفي انتظارها عقوبة وخيمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت باتت والملائكة تلعنها) والعياذ بالله، فهي أدت بنفسها إلى لعنها، أي: طردها من رحمة الله جل في علاه، والذين يلعنونها هم الملائكة، بل هناك رواية تثبت أن اللعن من الرب وأيضاً من الملائكة.

ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه باتت والذي في السماء عليها ساخط) فهذه الرواية تدل على أن الرب جل في علاه يسخط عليها وأن الملائكة تلعنها، فقوله صلى الله عليه وسلم: (والذي في السماء عليها ساخط) يعني: الملائكة، أما قولك: إن الله في السماء، فلابد من تفصيله وتأويله، فكلمة (في) تؤول بمعنى: فوق؛ لأنه لا يصح أن تقول: الله في السماء بمعنى الظرفية؛ فإن هذا القول كفر؛ لأنه لا يصح أن تقول: الله في السماء والسماء تظله وتقله، أما الملائكة فهي حقيقة في السماء، وليست في الأرض، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى في سورة النجم: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ} [النجم:٢٦] ففي هذه الآية دلالة على أن الملائكة في السماوات.

ومن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا وفيها ملك راكع أو ساجد)، وأيضاً من الأدلة: حديث البيت المعمور.

إذاً: فالملائكة في السماء، فقوله صلى الله عليه وسلم: (والذي في السماء عليها ساخط) يحتمل بظاهره الملائكة، أو بتأويل في بمعنى: فوق، أي: الرب، وهذان المعنيان لا منافاة بينهما، فما من رجل أراد امرأته على فراشه فأبت عليه إلا كانت -والعياذ بالله- ملعونة في السماء من الملائكة، أو ملعونة من الله جل وعلا ومطرودة من رحمته، وإن تعللت بعلل.

فعلى المرأة اللبيبة الأريبة أن تطيع زوجها وأن تتقي الله فيه، فإن أرادها وإن كانت على تنور -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فلا بد أن تقول: سمعت وأطعت، وإن كان سيء الخلق، ومقصراً في حقها، فلا بد أن تسمع وتطيع؛ لأنه أمر من الله جل في علاه أن تسمع للزوج وتطيع.

والزوج عليه أن يتقي الله فيها، فإن لم يتقِ الله هو فيها، فلا بد أن تتقي الله هي فيه، فلا ترد عليه أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>