للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم ما لا نفس له سائلة إذا وقع في الماء]

الحيوان ضربان: الضرب الأول: ما له نفس سائلة كبهيمة الأنعام، وما لا نفس له سائلة كالبراغيث والنحل والنمل والذباب، فهذه لا نفس لها سائلة، أي: لا دماء لها سائلة, والراجح عند الشافعية: أنه إذا وقع الذباب في الإناء فغمسته فإنه لا ينجس الماء؛ لأن المشقة تجلب التيسير، ونحن نقول: الذباب ليس بنجس، والأدلة على ذلك: الحديث الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) وفي سنن أبي داود قال: (فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) أي: يقدم جناح الداء, والأبحاث الطبية أظهرت أنه يقدم جناح الداء، فوجب عليك أن تغمسه، ومن لم يفعل ذلك أثم، ولو مات من ذلك الداء فحكمه حكم قاتل النفس؛ لأنه قد خالف شريعة الله جل في علاه, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فليغمسه فإن في أحد جناحيه الداء وفي الآخر الدواء وإنه يتقي بالداء)، وإذا غمس الذباب في الإناء فالذباب لا بد أن يموت، قال الشافعي: هو ميتة، وقد قال الله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:١٤٥]، والرجس عائد على كل ما ذكر، فالميتة نجسة، لكن نقول: هذا الكلام خطأ؛ لأنه مخالف لصريح إباحة النبي صلى الله عليه وسلم بأن يغمس الذباب في الإناء، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم بأنه إذا غمس الذباب في الماء فإنه سيكون ميتة، وهذا الماء لا يصير نجساً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه يباح أن تأكل هذا الطعام أو أن تشرب هذا الشراب, فدل على أن هذه الميتة لا تنجس الماء لأنها ليست بنجس, وهل يصح أن يؤكل الذباب؟ لا يصح؛ لأنه مستقذر، وبعض العلماء فصل فقال: الحيوان الذي لا نفس له سائلة ضربان: ضرب يكون أجنبياً عن الطعام والشراب كالذباب والنحل والنمل, وضرب يكون من الطعام كدود التمر مثلاً، فإذا أكل مع الطعام يجوز وهو ليس بنجس، أما بالنسبة للنمل والنحل ونحوهما فنقول: هذه مستقذرة لا تؤكل، لكن الراجح أنها ليست بنجس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم) , فأباح الغمس وهو يعلم أنها ستموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>