للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على أدلة القول الثاني]

أما الرد على الأدلة التي استدل بها الشيخ الفاضل الجليل الجبل الشيخ الألباني رحمة الله رحمة واسعة وجعله مع رفقة النبيين والصديقين والصالحين والشهداء, ورفع الله مقامة وذكره، فكان أول حديث من الأحاديث التي استدل بها حديث: (من أن أراد أن يحلق حبيبه) ووجه الدلالة الأول: أن اللفظ وضع للذكر لا للأنثى, فإن رد علينا وقال: الأصل العموم، قلنا: جاءت الأدلة والقرائن التي تثبت أن المقصود هو: التحريم على الرجال, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حرام على ذكور أمتي) فالمعنى: أنه إنما يحلق حلقة من نار إذا كان ذكراً، ويتضح ذلك إذا عملنا بما قعد لنا الإمام البخاري في فهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: بألا نأخذ الحديث منفرداً, ولكن نجمع الأحاديث التي تتحدث عن المسئلة جميعها فيتبين المعنى المراد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي لبس خاتماً من ذهب (أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار) فهذه دلالة واضحة: أن الله يحلقه بحلقة من نار إن كان ذكراً.

الوجه الثاني: أن هذا الدليل يعتريه ما يعتريه من الاحتمالات, إذ هو يحتمل أن تدخل تحت اللفظ النساء، ويحتمل ألا تدخل، والقرينة الفاصلة المحكمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم، وهذا الحديث لا يصح أن يخصص عموم قوله: (كل الذهب حلال لنساء أمتي) وأيضاً حديث مسلم كن يتصدقن بالخاتم وبالأسورة، فكن يلبسن ذلك، على عصر النبي ويقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أما الرد على الحديث الثاني الذي استدل به الشيخ وهو حديث بنت هبيرة حيث قال لها لما رأى بيدها السوارين: (أيسرك أن يسورك الله جل في علاه بسوارين من نار) فهذا الحديث محتمل أيضاً، فيحتمل أن يكون من أجل الحلقة من الذهب كما يحتمل أن يكون هذا الزجر لأمر آخر، ومعلوم أنه إذا اعترى الحديث الاحتمالات فلا يقال: نحكم الهوى, فالهوى يرجح لنا الصحيح -أعوذ بالله- بل يتتبع العلم.

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه والعلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه ولذا نحكم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهي التي تفسر لنا ما أبهم، وتفصل لنا ما أُجمل، فقد جاء في المسند بسند صحيح عن أسماء بنت يزيد وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت عليه امرأة ومعها ابنة وفي يدها أساور من ذهب فقال لها: يسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، قالت: علام يا رسول الله؟ فقال: أديتي زكاة هذا؟) وفي الرواية تقديم وتأخير: إذ في رواية أخرى: (أنه لما رأى الأسورة ما أنكر لبسها، لكنه قال: أديتي زكاة هذا؟ قالت: لا, فقال: تريدين أن يسورك الله بسوارين من نار) , ففي الرواية الأولى قال: يسورها بسوار من نار أو خاتم من نار, وفي الحديث الثاني في نفس السياق قال: يسورك بسوار من نار, فأخفيت العلة في الحديث الأول وظهر في الحديث الثاني تفسيرها حيث قال: أديتي زكاة هذا؟ فإذاًَ: التقدير في الحديث الأول -حديث بنت هبيرة - أن يقال: كأنه صلى الله عليه وسلم يقول لها: أديتي زكاة ذلك؟ قالت: لا , قال: إذاً يلبسك الله خاتماً من نار يوم القيامة, فهذا الحديث ظاهر جدًا في تفسير الحديث الأول؛ إذ أنه في حديث بنت هبيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجرها أشد الزجر؛ لأنها لم تؤد الزكاة ولم يذكر التحلي ولا حرمه لا من قريب ولا من بعيد، وعلى ذلك فإنها ما استوجبت النار من أجل الأسورة لأنها من الذهب بل لأنها لم تؤد الزكاة, كما أن حديث عمرو بن شعيب بنفس اللفظ، فقد قال فيه: (تريدين أن يسورك الله بسوارين من نار، أديتي زكاة هذا؟) ومثل ذلك يقال في حديث أم سلمة وعليه يرد بنفس الرد، ففي حديث أم سلمة: أنها كانت ترتدي هذه السلسة, -وإن قلنا: إنها بلغت النصاب أو لم تبلغ النصاب- فهذا التفصيل الفقهي ليس موضعه الآن، وما يهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علل أن هذا العقاب مقيد بالزكاة, فإنها إن أدت الزكاة فلا عقاب وإن لم تؤدها لزم العقاب, وبذلك تبين أن هذه الأحاديث وإن كانت محتملة لكنها بعيدة جداً، وسياق الأحاديث يدل على أن العقاب والزجر ليس من أجل التحليق ولكنه من أجل الزكاة, وبذلك تسلم أدلة عامة أهل العلم بأن المرأة يجوز لها أن ترتدي السلسلة أو الأسورة أو الخاتم ذهباً كان أو غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>